المقولات التي «قبلها ليست كما بعدها» رائجة في الأدبيات والتحاليل السياسية اللبنانية، وليست تصحّ بهذه الاحتدامية في الغالب. مؤكد في المقابل أن عودة الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وكلمته في «البيال»، ليس ما قبلهما مثلما هي الحال بعدهما، وهي نقطة مفصلية هامة بكل المقاييس، ولا يمكن مسبقاً التكهن بكل تداعياتها.

هي نقطة فاصلة ان كان من ناحية تجذير الخطاب بإزاء «حزب الله» ومشروعه العنفي، وتدخّله في الحرب السورية والتزامه خطط ايران في المنطقة، أو من ناحية الكلام الواضح في مسألة الرئاسة وشغور كرسيها والمبادرة التسووية التي طُرحت والتداعيات التي أعقبتها وما طُرح خلافها. 

يبقى أن هناك معطيين لا يمكن التسرع في معرفة مسار التفاعل بينهما: معطى يميل الى تجذير المواجهة بين ما يمثله «حزب الله» وبين القوى المناوئة له والرافضة لهيمنته الفئوية المسلحة وخياراته الايديولوجية والاقليمية، ومعطى يميل الى طرح الخلاف حول المسألة الرئاسية داخل فريق الرابع عشر من آذار بشكل لا يمكن تمييعه أو مداراته بشكل سهل، ولا يمكن الاكتفاء بالمشهديات التفاؤلية الجزئية وحدها في هذا السياق.

عودة الحريري وكلامه السياسي إثباتان جديدان على أن القوة السياسية والشعبية التي يقودها لا يمكن إلغاؤها بالتهديد والوعيد ولغة السلاح والتحريض والقتل، ولا يمكن ثنيها عن خياراتها في الاعتدال والالتزام بالفكرة اللبنانية. 

بالتوازي، وُجهة النظر «المستقبلية» صارت واضحة للجميع، وكذلك تلك «القواتية»، في حين ليس واضحاً كيفية تأمين التفاعل الحيوي والصحي والسلس بين وجهتَي النظر هاتين في الموضوع الرئاسي، وإن كان هناك ملتقى اساسي هو رفض تطيير جلسات النصاب، واعتبار ان خيار «حزب الله» الرئاسي لا يزال هو تمديد الفراغ و«حب الشغور». 

المساحة وافرة مع ذلك لتقريب وجهتَي النظر بدءاً من طرحهما بهذا الوضوح، وانطلاقاً من العنصر المشترك المشار اليه. يبقى أن ردة فعل «حزب الله» على هذا السقف النضالي الحيوي لكلام الرئيس الحريري في الموضوعات التي تعني الحزب او التي يشكل الحزب «موضوعها» هي التي ينبغي ترقّبها، خصوصاً وان الرابط بين الشقين «العام» و»الرئاسي» من كلام الحريري، جاء عنوانه حيلولة الحزب دون انتخاب رئيس للجمهورية. 

لأجل ذلك، فإن كل من يعتبر نفسه «أماً للصبي»، وباقياً على مشروع كياني - سيادي يقف حجر عثرة دون تغلُّبية «حزب الله» والمحور الذي ينتمي اليه، معني بترسيخ خط الاشتباك الحالي مع هذا الحزب، واعتباره في الوقت نفسه مدخلاً لكل تفاوض سياسي معه، ومدخلاً لفاعلية التفاوض السياسي نفسه. وفي الوقت نفسه، سعي كلٍّ من موقعه، إلى الخروج، بأسرع وقت ممكن، وبأفضل أسلوب متاح، من المناخات غير الصحية الحالية بين القوى المناهضة لهيمنة الحزب. وهذا لن يحصل بالمجاملات فقط، على أهميتها، لكن يحصل بفتح المجال لتوسيع الكلام الى موضوعات عديدة، منها ما يتصل بمشاكل لم تُحل منذ نهاية الحرب الاهلية، بين الطوائف اللبنانية، ومشاكل لم تُحل منذ نهاية الوصاية السورية، وحقيقة ان التعددية لا يمكن ان تتطابق دائماً مع الاشتراك في كل شيء وبالتالي لا بد من إيجاد مناخ صحي وسليم لعيش هذه التعددية.