طالما القاعدة المعمول بها في الرئاسيات هي اقتضاء نصاب ثلثي أعضاء المجلس، وفي نفس الوقت عدم اجبار النواب على الحضور لا قبل شغور كرسي الرئاسي ولا بعده بشهر أو شهرين، بسنة أو بسنتين، وطالما أن هذه القاعدة - الدوامة تتواءم مع تأجيل الاستحقاق النيابي نفسه، لعدم الاتفاق على قانون انتخاب من بعد الاتفاق على عدم العودة الى آخر واحد عُمِلَ به، فإنّ هذا البلد لا يحتاج حقيقة إلى هيلمان «حزب الله» ليقفل نظامه السياسي نفسه بنفسه على نفسه، فاذا أضفنا كل متعلقات الظاهرة «حزب الله» على هذا البلاء ظهرت لنا الصورة بشكل أكثر تشاؤمية: دوامة لا آخر لها .

جرى تحريك الملف الرئاسي نهاية العام الأخير. تطورت بسرعة صيغتان لهذا التحريك. المشترك بينهما هو دعم قوة مناوئة للنظام السوري و»حزب الله» مرشحاً موالياً للنظام والحزب. الاختلاف بينهما «عبثي» بعض الشيء، لأنه يقوم على اعتبار هذا المرشح الى النظام السوري أقرب بالدرجة الاولى، ثم الى الحزب بالدرجة الثانية، في مقابل اعتبار ان المرشح الآخر اقرب الى الحزب بالدرجة الاولى، ثم النظام. هناك أيضاً اختلاف في شخصية المرشحين. لكن الاشكالية الحقيقية التي طرحت نفسها هي اذا كان رئيس الجمهورية ينتخبه المسيحيون اولاً ثم يصادق عليه المسلمون أو اذا كان رئيس الجمهورية ينتخبه «الجميع» ما سيطرح مسألة مصدر حيثية الرئاستين الثانية والثالثة، غير المرهونتين بأجل لشخص واحد بخلاف رئاسة الجمهورية .

تحريك الملف الرئاسي المزدوج، والذي خلّع ما كان يوصف بالحركة الاستقلالية، قوبل مع ذلك برد من «حزب الله» مفاده ان فرنجية هو من «الخط» لكن عون أسدى خدمات أكثر لـ»الخط» في السنوات الأخيرة، وان الرئاسة بتجييرها الى الثامن من آذار تصبح شأناً داخلياً لهذه الأخيرة، أي للحزب، وهو يرى عدم الاستعجال. 

هنا صرنا امام ثلاث مقولات: 

مقولة ترى ان المسيحيين اولاً من يختارون مرشح المزاج الاكثري في اوساطهم. وهذا منطق التيار والقوات، ولا حاجة للمكابرة على شعبية هذا المنطق مسيحياً. 

مقولة ترى ان رئاسة الجمهورية لا يمكن ان تكون وقفاً مسيحياً في نهاية الأمر ولا بد من التوافق الاسلامي المسيحي للاتيان برئيس، شرط ان يكون مسرح التوافق قاعة مجلس النواب وليس التأجيل ثم التأجيل الى حلول السرّ الوفاقي الموعود. 

هاتان المقولتان تتواجهان منذ شهرين، على الأقل. لكن هناك مقولة أخرى أبسط تقول: المعادلات الدستورية القائمة لا مناعة لها أمام كربجة النظام لنفسه بنفسه، وفي ظل هيمنة «حزب الله» تصبح الكربجة لعبة في يد الحزب يتحكم بها. 

للآن لم تتموضع المقولتان الاولى والثانية، في هذا التعداد، بالشكل اللازم، في اثر افصاح مقولة الحزب اللا-رئاسية عن نفسها بشكل صريح. 

بمزيد من الوضوح: هناك سجال بين من يرى ان الرئاسة شأن مسيحي اولاً وبين من يراه شأنا اسلاميا مسيحيا مشتركا، وهذا السجال يؤدي الى دفع الكرة التقريرية باتجاه «حزب الله» فيكتفي الأخير بالقول: صحيح، انا من أقرّر، ولأني أنا من أقرّر، فإني أقرّر بأن لا أقرّر الان. ارتاحوا. الشغور وهمي ما دام هناك قوة من لحم ودم تملؤه!