كافة الأجواء المحيطة بجنيف3 توحي بفشل هذا المؤتمر. فالتطورات العسكرية في الميدان السوري لا تصب في مصلحة انجاحه.  يترافق ذلك مع عوامل أخرى أهمها أن الولايات المتحدة الأميركية التي تتباطىء اصلا في دعم المعارضة السورية قد دخلت في مرحلة العد العكسي لانتخاباتها الرئاسية بما يجعلها أكثر تلكوءا وتراجعا في الأزمة السورية.

بالرغم من التصريحات التي تصدر بين حين وآخر على لسان مسؤولين أميركيين تعطي هذه الأزمة جانبا من الاهتمام. مثل وصف وزير الخارجية الأميركي جون كيري رئيس النظام السوري بشار الأسد بأنه هو جانب للإرهاب. وهو الذي كان السبب في استجلاب او استيلاد المجموعات الإرهابية على كافة الأراضي السورية. او الدعوات الأميركية للروس بوقف غاراتهم الجوية في سبيل انطلاقة عملية لمؤتمر جنيف3.

  إلا ان الرد الروسي على الدعوات الأميركية /والتي كانت بغالبيتها من باب رفع العتب/ جاء على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف بأنها لن توقف ضرباتها الجوية ولن تتراجع عن أعمالها العسكرية حتى تلحق الهزيمة الفعلية بتنظيم الدولة الإسلامية داعش وبجبهة النصرة. وبالتالي فإن الموقف الأوروبي الذي يحذر من مخططات روسية غامضة لم يؤثر في الموقف المتشدد الذي تعتمده روسيا في الحرب السورية. إذ ان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أعرب عن خشيته من أن تكون موافقة روسيا على السعي لتحقيق السلام في مؤتمر جنيف3 مجرد ورقة توت تغطي سعيها لتحقيق نصر عسكري هدفه الأخير اقتطاع دولة علوية.

خصوصا أن الغارات الجوية الروسية تستهدف حتى المدنيين بما يفضي ذلك إلى فرز سكاني. وكذلك فإن تعديل موازن القوى لمصلحة النظام السوري الذي انقذه التدخل العسكري الروسي قبل عدة شهور من احتمال خسارته العاصمة دمشق سمح للنظام بأن يكون أكثر تشددا في مواقفه سيما وأن حليفته الأخرى  إيران باتت تمتلك هامشا أوسع للتحرك على الساحة السورية بعد رفع العقوبات عنها.  كل هذه العوامل ساعدت النظام على استعادة مقولة أولوية القضاء على الإرهاب قبل الدخول في أي مفاوضات سياسية وهو الموقف عينه الذي كان سببا أساسيا في إنهيار مفاوضات جنيف2.

  بالمقابل فإن المعارضة السورية المعتدلة التحقت بركب جنيف3 تحت تأثير ضغوط دولية قوية حتى لا تتهم مع حلفائها الاقليميين بأنها هي السبب في فشل اي مسعى لأنحاز حل سياسي مزعوم للأزمة السورية. ومع ذلك استمرت في تمسكها بأولوية الشق الانساني لانخراطها الفعلي في المفاوضات لجهة فك الحصار والتجويع وإطلاق الأسرى خصوصا النساء منهم ووقف الغارات الروسية على المدنيين. 

يبدو واضحا أن مؤتمر جنيف3 لن يكون بأفضل من سابقيه جنيف1 جنيف2. فالحل السياسي للأزمة السورية لا زال بعيدا سيما وأن المعارضة السورية قد تنتظر متغيرات إقليمية ودولية منها وصول الحزب الجمهوري الأميركي إلى سدة الرئاسة الأميركية مع رهان على أن الجمهوريين لن يقبلوا بالتسليم لروسيا في المنطقة. ولا زال أمام الشعب السوري مرحلة صعبة من الدمار والخراب والقتل والتهجير...