بدّلت عملية الجيش النوعية في عرسال معطيات المعركة وجعلت المبادرة في يد المؤسسة العسكرية، ونقلت وحداته من وضع الدفاع الى وضع الهجوم، الأمر الذي تحتاج اليه وحدات الجيش المنتشرة في تلك الجبهة وعند تخومها الحدودية في مواجهتها المتصاعدة مع المسلحين التكفيريين الذين يحتلون جرود عرسال وراس بعلبك وصولاً الى القاع.

لكن أهم ما في عملية الجيش النوعية أنها المواجهة الاولى بين وحدات الجيش ومسلحي "داعش" داخل البقعة التي يسيطرون عليها، وهو ما يعني توجيه رسالة واضحة الى التكفيريين مؤداها أن المبادرة في يد الجيش. وقد أشعرت العملية أهالي عرسال وتلك المنطقة بأن الجيش يمسك بزمام الامور فعلياً على الجبهات ولا حاجة الى الهلع من إمكان دخول "داعش" الى عرسال كما جرت العادة في بلدات وقرى سورية عدة آخرها في دير الزور.
لا تخفي أوساط عسكرية حقيقة الوضع داخل عرسال الحدودية، وتصفه بأنه "سيئ بكل المعايير نتيجة وجود آلاف اللاجئين السوريين، وتنوع التنظيمات المسلحة وتعدد مرجعياتها، الامر الذي تسبب بحال من الفلتان الامني والفوضى غير المسبوقة التي يصبح معها التكهن بطبيعة ما سيجري مستقبلاً وما يعد له تنظيم "داعش" او "النصرة" في دائرة التحليل والتكهنات و"السيناريوات المفبركة".
وتشي إعادة رسم مشهدية ما جرى في عرسال بأن المسلحين الذين يعانون ظروفا صعبة في الجرود نتيجة الإجراءات الامنية والحصار القاسي من جهة، والظروف المناخية من جهة أخرى، يحتاجون الى التواصل الدائم، وتالياً مدّ نفوذهم الى المخيمات في عرسال وضواحيها، والتي تشكل ما يشبه قواعد خلفية وبيئة حاضنة للمسلحين. وكان من الطبيعي أن يقع الصدام بداية بين "النصرة" المقيمة في عرسال و"داعش" الباحثة عن الدعم والتموين والإمداد بكل أشكاله، ثم مع الجيش الذي لا تتوقف مدفعيته وأسلحته الصاروخية عن التعامل مع تحركات المسلحين بحزم، مشكّلة ما يشبه الجدار الناري في مواجهة حركة "داعش" و"النصرة". والارجح بحسب الاوساط، أن المجموعة التي استهدفها الجيش بعمليته كانت تحضر لاستهداف الوحدات المنتشرة في عرسال بعملية خطف أو تفجير، نظراً الى الطبيعة الهجومية للاسلحة المصادرة، ومنها أحزمة ناسفة وقنابل. ويبدو أن "داعش" يدرك أن الوضع مختلف في 2016 عنه في 2014، سواء لجهة جهوزية الجيش ووحداته أو قدرته على المبادرة، لذا قرر الاستعاضة عن الهجمات الواسعة بعمليات سريعة وخاطفة.
وفي انتظار انتهاء التحقيق مع موقوفي "داعش"، يبدو لافتا كلام وزير الداخلية نهاد المشنوق عن أن أحداً لا يستطيع تحرير عرسال إلا أهلها!