هنا في أمريكا تتجول ساحات البيت الأبيض من جهاته الأربع،والكونغرس بغرفه وحدائقه الساحرة،حيث لا ترى لواءَ الحرس الجمهوري ولا القوات المسلحة بمظاهر الدبابات والأسلحة المتوسطة والمنخفضة،فقط تشاهد عدداً محدوداً من الشرطة تبدو عليهم الابتسامة الرشيقة بلباس يدعو للطمأنينة وأقرب للمدنية.

فلا تشعر بخوف من نظرات رجل أمني يحول بينك وبين رؤية القصور والدوائر الحكومية،وكأنك تزور حديقة ومنتزهاً للترويح عن النفس والعائلة،فيأتي الناسُ أفراداً وعائلاتٍ ومن سواح ومقيمين للتنزُّه وأخذ الصورِ أمام تلك الصروح السياسية التي تنبسق منها أهمّ القرار التي تغيّرُ وجهَ التاريخ والأمم،وهذا يدل على الشفافية والوضوح ومبدأ المحاسبة والمراقبة والثقة المتبادلة بين الراعي والرعية،لأنَّ هذه المؤسسات الوطنية هي ملك للشعب وهو مَن اختارَ ساكنيها،لذا الأبواب مفتوحة لكل قادم وسائل وسائح،والدولة هناك لا تخفي شيئاً عن مواطنينها،لذا فكل مواطن يدخل مواقع الإلكترونية تلك المؤسسة الرسمية ويطلع على كل قرار محلي ودولي بالتفصيل الذي لا يحتمل اللبس والتأويل،ويحق للشعب حضور الجلسات التي يعقدها مجلس الشيوخ والممثِّلين في الكونغرس والاطلاع على القرارت والتشريعات والاعتراض عليها ونقدها ونقضها وتقديم الشكوى عليها امام المحاكم العليا،ولأنّ الشعب الأميركي يعلم يقيناً أنَّ في داخل جدران تلك القصور حزبا الجمهوري والديمقراطي يسهران ويسعيان ويعملان على تحقيق سعادتهم واستقرار أمنهم وتأمين مستقبل رغيد لأبنائهم،لذا فهي مقرَّات لها وقار واحترام ورمزية عندهم.ففي بلدي للأسف تم إغلاق الوسط التجاري بكل مؤسساته السياحية ،وتشرَّدَ أربابُ العملِ والعمُّالِ من أرزاقهم فقط لأجل راحة دولته وسعادته ومعاليه وحضرته ونيافته،وأصبح مهجوراً كالبيت الخَرِب،وأصبح الدخولُ لساحات ودائر المجلس النيابي والسرايا الحكومي والوزارات عندنا يتطلب فيزا ممهورة بتوقيع أصحاب الدولة وقادة المحاور،وكأنك دخلتَ بلداً آخَرَ في قلب وطنك.

وهنا في أمريكا فلا تشاهد مظاهر أمنية وعسكرية في الشوارع والمدن والقرى،وإنما إشارات السير تسير وفق المنظومة العامة للطرقات.ولكنَّ رجالَ الأمن يحضرون بالدقيقة حين تقع المشكلة أو ينشب نزاع.وأنا أكتب ما عشتُه ولمسْتُهُ من باب الأمانة وليس تزلُّفاً لأحد،بل واقع تعيشه أمريكا،ونحن لا نستحي من الحق حيث كان. والعبرة أن نستغيد من تلك الإيجابيات لا أنْ نكابر.

صالح حامد - أمريكا