في وقت كانت المعارضة تتلقى ضربات قاسية في جبهة ريف اللاذقية وتستعد لخسارة جبهة الساحل، اخذ التوتر بين حركة  احرار الشام و"جبهة النصرة" يبلغ ذروته في منطقة سلقين - ريف ادلب الشمالي الغربي، ووصل إلى حد استنفار متبادل بين عناصر الطرفين، واشتباك ادى الى وقوع قتيل وجرحى، لكن سرعان ما تم تطويق الحادث ولملمته، إلا أن المتابعين لحال الفصيلين يؤكدون أن الخلاف بين الطرفين لم ينته، خصوصاً ان باطنه لا يقتصر على إشكال فردي، بل يرتبط بهوية كلّ فصيل ومشروعه في سوريا.

وكان واضحاً استغلال النظام أو روسيا للخلاف الدائر بين الطرفين، إذا لفت المرصد السوري لحقوق الانسان إلى أن "صاروخاً بالستياً استهدف مقرًّا للنصرة تستخدمه محكمة لها، وأدّى إلى مقتل 16 شخصاً بينهم 11 من مقاتلي النصرة والفصائل الاسلامية".

القحطاني والمحيسني

حجم الخلاف دفع العلماء إلى رفع الصوت، إذ وجه المسؤول في "النصرة" أبو ماريا القحطاني نداءً عبر "تويتر" قال فيه: "يا جنودي الأحرار، يا جنود النصرة، الجهاد في الساحل ليس في سلقين ولا في حارم، الثغور أولى بكم يا تيجان الرأس، ليس لصراعات إدارة مدن"، وجاء النداء بعد احتدام التوتر وامتداده إلى بلدة حارم المجاورة التي تسيطر عليها "أحرار الشام".
أما القاضي العام لجيش الفتح الذي يجمع بين الفصيلين، الشيخ عبد الله المحيسني فوجه رسالة إلى عناصر الطرفين قائلاً في تسجيل صوتي: "إذا قال لكم أمراؤكم اخرجوا استنفاراً على الفصيل الفلاني، فقولو لهم هاتوا امرا قضائياًّ او فتوى شريعة... فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأنتم لستم جنودًا بل مجاهدين وقبل ان تقتل مسلماً فكّر مئة مرة".
ويأتي الخلاف في وقت تستعد فيه المعارضة لمفاوضات في جنيف 3 مع النظام، وسط خلاف بين روسيا وأميركا حول اسماء أعضاء الوفد، وعلى اسم "جيش الاسلام"، خصوصا أنه سبق ل"أحرار الشام" ان شاركت في مؤتمر الرياض لكنها لم توقع البيان الختامي، إلا انها بنظر الدول العربية المساندة للمعارضة "مجموعة معتدلة".
ولا يخفي بعض الناشطين خشيتهم من تطور حال "جبهة النصرة"، خصوصا أنه سبق وهاجمت مقرات "الجيش السوري الحر"، وأنهت سيرة بعض فصائله، لكنهم على يقين أن المعادلة بين "أحرار الشام" و"النصرة" مختلفة، ولن تنتهي إلا بحل من اثنين، إما أن تنضمّ الحركة إلى الفكر القاعدي أو تفك النصرة ارتباطها بالقاعدة، واتّفق كل أطياف الثورة على الحل الثاني.

أحرار الشام: الخلافات فكرية

ويقول القيادي في حركة "أحرار الشام" حسام سلامة لـ"النهار": "القتال الداخلي في الثورة أكبر خطر واجه الثورة، وهو ليس حكراً على الأحرار والنصرة، بل كان أعم من ذلك وله أسباب كثيرة"، مشيراً إلى أن "أهم أسباب القتال هي الخلافات الفكرية للجماعات المؤدلجة، ما أدى إلى خلاف في المشاريع وبالتالي إلى حالة تنافسية وإلى الصدار في بعض الأحيان".

ولا يخفي سلامة أن "أحرار الشام" طالبت أكثر من مرة "النصرة" ب"فك الارتباط والتخلّي عن المشروع الذي يحمّل الثورة والثوار والسوريين أعباء معارك لا علاقة لهم بها، والتخلي عن المشروع العابر للقارات، والتمسك بمشروع الثورة السورية، لكن الطبيعة الفكرية تجعلها لا تعترف بالحدود كواقع مفروض إلى حد ما"، لافتاً إلى أن "السبب المباشر لإشكال سلقين هو اقتحام مقر إدارة للأحرار من قبل النصرة".

خطان للنصرة... ومشروع

ويوضح قائد الفرقة الشمالية المقدم فارس البيوش لـ"النهار" أن "الاقتتال أدى الى مقتل عنصر من النصرة وجرح مدني، وتم احتواء المشكلة بينهما من خلال لجنة قضائية من المنطقة"، معتبراً أن "الاقتتال بين اي فصيلين في هذه المرحلة الخطرة واثناء تقدم النظام في مناطق الساحل لا يخدم الجبهات أبداً".
وعن ارتدادات الإشكال وطبيعته المستقبلية يقول البيوش: "هناك فرق كبير بين من يسعى إلى إسقاط النظام وتحقيق مطالب الشعب، ومن يريد إقامة مشاريع خاصة به كالنصرة"، مضيفاً: "النصرة لديها خطان، الاول مقاتل على الجبهات، والثاني يقوم بأمور مدنية من خلال نظرة النصرة ومشروعها، والخط الاول متوافق مع الثورة، اما الاختلاف فيكمن في الخط الثاني".

اشكال فردي ولكن...

أما المحلل السياسي والعسكري السوري العميد الركن أحمد رحال فيضع الخلاف ضمن اطار "الاشكال الفردي"، ويقول لـ"النهار": "ما حصل ليس قتلاً ممنهجاً او مخططاً له، وبعد ساعة تم احتواء الموقف، وهذا الأمر لا ينعكس على أي وجهة مستقبلية"، لكن لرحال المنشق عن النظام موقفه من النصرة وداعش والقاعدة أيضاً، وبقول: "بالنسبة لنا كضباط في الثورة السورية، لم ولن نقبل ان تكون الثورة تحت راية "ابو محمد الجولاني" او "ابو بكر البغدادي" او الظواهري، بل نؤمن ان كل من يدخل ويريد ان يساند الشعب السوري يجب ان يكون تحت راية الشعب، وأن السوريين يبنون مستقبل سوريا، وان صناديق الانتخاب هي من تنتج مستقبلنا"، مضيفاً: "نحن لم نخرج من أجل امارة او خلافة أو ولاية، ولا نطالب اليوم بخروج جبهة النصرة من سوريا طالما هناك حزب الله والايرانيون و36 فصيلاً شيعياً وعراقياً، ومرتزقة من الهند وباكستان وافغانستان وقوات روسية، لكن عدم مطالبتنا لا تعني اننا نتوافق مع النصرة من حيث الولاية والخلافة، وفي اللحظة التي سيتم فيها خروج كل المرتزقة، فإن النصرة اما ان تكون تحت راية الشعب السوري او تخرج من سوريا".