كان وقع إطلاق سراح الوزير السابق ميشال سماحة كبيرا على الساحة اللبنانية. فالقرار غير المتوقع بهذا الاخراج كان قد مهد له قبل فترة كمحاولة جس نبض للشارع.

ميشال سماحة مجرم أولا بحق وطنه وبحق عائلته، لا يمكن الفرار من هذه الحقيقة وهو إرهابي أيضا لإستخدامه الجريمة كأداة لأغراض سياسية وكدافع لإهتزاز السلم الأهلي والعيش المشترك.

وهذا ما ظهر جليا من خلال الفيديوهات المسربة له وهو يخطط ويعطي الأوامر لإرتكاب جريمته بحق بلد إحتضنه. لا أحد يمكن إعطاء توصيف مغاير عن الشخص إلا إذا كان لا يبصر أو لم يبق لديه أي حد أدنى من الأخلاق والقيم.

فلا شيء في هذا الكون يبرر جريمة قتل جماعية تمهد لسلسلة مجازر متتالية كتلك التي كان يخطط لها ميشال سماحة حتى ردات الفعل.

ومن راقب هذه الردات من الشارع اللبناني وجد ان هناك معارضة واضحة من قبل شارع 14 آذار وأيضا سجلت خروق معارضة من قبل مناصري 8 آذار.

فحجم الوضوح وإتساع رقعة إنتشار الفيديوهات المسربة لا تترك أي شك بأن هذا الإنسان مجرم وإرهابي بأدق المعايير وأوسعها. وعلى الجهة المعاكسة، سجلت بعض الحالات التضامنية مع حالة ميشال سماحة ولا أجد بهذه الحالات إلا خلفيات نكدية سياسية لكنها بالمحصلة هي لا أخلاقية، لأن الحق حق والباطل باطل لا يعرفان سياسة أو تبييض طناجر.

ولو تساءلنا اليوم من في لبنان يمتلك حق إدانة إطلاق سراح ميشال سماحة؟ وقد يبدو التساؤل غبيا لكن في لبنان بعض الأسئلة الغبية قد تحمل حقيقة أوضح. بالمبدأ من حق كل إنسان أن يبدي رأيه، ولكن ليس من حقه أن يقع بالتناقض.

فقوى 14آذار هي نفسها التي طالبت بإطلاق سراح شادي المولوي بعد أن تم إلقاء القبض عليه في إحدى مراكز الأمن العام وهو المتهم بجرائم وقد أطلق سراحه فيما بعد تحت تأثير ضغوط الشارع المحسوب على هذه القوى.

التناقض هنا أن من يندد بإحتجاز المولوي لا يمكنه التنديد بإطلاق سراح سماحة. فكلاهما إرهابيان ومجرمان وكلاهما يستحقان السجن مع أشد العقوبات.

أما قوى 8 آذار والتي دافعت عن قضية سماحة مع بعض الإستثناءات فيها لا يحق لها التكلم بلغة القانون والدفاع عن قرار المحكمة العسكرية وفي هذه القوى من أطلق النار وقتل ضابط في الجيش اللبناني وأطلق سراحه فيما بعد بمدة قصيرة، ولا يحق لها ممارسة الإستنسابية في تقبل قرارات المحاكم في لبنان او حتى طرق تعاملها مع الدولة اللبنانية.

فضلا على أن الواجب الأخلافي التي لطالما تحاضر فيه هذه القوى يمنعها من الدفاع عن هكذا مجرم وإرهابي، فالدين والأخلاق واضحان في هذه القضية، ومن يدافع عن هكذا قضية يسقط في إمتحان الدين والأخلاق ومتناقض مع ذاته وتاريخه.

نعم، وحده الشعب اللبناني والقوى التي تعمل للبنان فقط من حقها إدانة هذا الحكم. لذلك، فقضية ميشال سماحة كغيرها من القضايا تفضح حجم الإنقسام السياسي في لبنان والعمل الكيدي الذي يمارس يوميا.

فالسياسية في لبنان أصبحت لعبة القوي على الضعيف في ظل غياب الحد الأدنى من أدبيات الأخلاق في العمل والممارسة والحكم. وهنا نقطة يجب التركيز عليها، وهي أن المحكمة العسكرية في هذا الحكم وفي غيره كباقي مؤسسات الدولة تشكل إنعكاسا للواقع السياسي وتأثير الأحزاب فيها.

بغض النظر من الموقف من أصل وجود المحكمة العسكرية أو عدم وجودها. فالمحكمة بالأخير تعمل في ظل واقع سياسي وأعضاؤها محسوبون على هذا الواقع. هذا الواقع الذي يتهدده مستقبل أسود، زاد فيه سوءا هكذا حكم قضائي يعطي إشارات واضحة لبعض القوى المتطرفة إلى المزيد من التطرف وإشارات أيضا لبعض الشباب الذين يعانون صراع داخلي بين العقلنة والتطرف، هؤلاء بعد هذا الحكم سيختارون التطرف طريقة حياة لهم.

فالعدل أساس الحكم، وإذا ما توفر العدل تأمنت الحقوق وحفظت العهود وزادت العقلنة أما إذا حصل العكس، فالتطرف سيصبح وسيلة لتحقيق الوجود.

فمن الضروري معالجة مشكلة التطرف بأسبابها الواقعية والإجتماعية والسياسية بعيدا عن نظرية المؤامرة، وليس من الصدفة أن معظم الإرهابيين هم من الفقراء والمهمشين والمظلومين والتي كانت حقوقهم مصادرة من قبل حكامهم.

نعم أنا أصدق أن معظم الإرهابيين لا يعرفون أحكام القرآن أو سيرة النبي لأنه ببساطة قرارهم بالإنضمام إلى الإرهاب كان دافعه الإنتقام من مجتمعهم ودولتهم وسببه أحكام قضائية كانت تمارس ضدهم وإزدواجية في الأحكام كحكم إطلاق سراح ميشال سماحة.

فالإستخفاف بخطورة ما كان يخطط له سماحة ينذر بالأسوأ كما أدى الإستخفاف بقضية المولوي وإطلاق سراحه لاحقا إلى أن يقوم بمهاجمة الجيش مرة أخرى بعد إطلاق سراحه.

فالعقوبة يجب أن تكون على قدر الذنب ليشكل رادع للمجرمين والإرهابيين. اليوم، نشعر أمام الحضارة بتفاهتنا وحقارتنا وكفرنا بالوطن، وهذا طبيعي بسبب ما عانيناه ونعانيه يوميا، فهل يشعر للحظة ميشال سماحة بتفاهة حياته وتفاهة موقفه؟

هناك وطن إسمه لبنان يرفض ميشال سماحة وأمثاله.

 

 

بقلم: هلال رميتي.