في بورتريه لاحدى الشخصيات الاكثر اثارة للجدل في القرن العشرين، يستعيد الكاتب الاميركي أندرو كوبر سيرة حياة شاه ايران محمد رضا بهلوي من طفولته مروراً بتوليه العرش وحتى سقوطه عام 1979. وهو يستعين بأرملته الامبراطورة فرح وشخصيات ايرانية ومسؤولين أميركيين من حقبة الرئيس الاسبق جيمي كارتر.
ومع أن الموضوع الرئيسي لكتاب "سقوط الفردوس...آل بهلوي والايام الاخيرة لايران الامبراطوية" هو الشاه الذي توفي في مصر عام 1980 ، إلا أنه يحتوي على حبكة فرعية مثيرة تتعلق بالامام موسى الصدر . وهو يلقي ضوءا جديدا على اختفائه ، ويفترض أن رجال الدين الذي أطاحوا الشاه ابان الثورة الايرانية بتوجيهات من آية الله روح الله الخميني اعتبروا في حينه أن الصدر يشكل خطرا عليهم. وهو يجزم بأن الصدر والشاه لم يكونا على تواصل فحسب على رغم التوتر العلني بينهما، وإنما أيضاً بأن الشاه قد يكون أراد من الصدر أن يعود الى ايران لتقويض طموحات الخميني في الاشهر التي سبقت الثورة، علماً أن تلك الفكرة لو حصلت، لكانت غيرت التاريخ.

وفي مراجعة للكتاب نشرت في "النيويورك تايمس"، يقول الصحافي الاميركي ريك غلاستون إن الكتاب يوفر دليلاً على الشكوك العميقة التي كانت تساور الصدر حيال الخميني الذي كان يعتبره مجنوناً وخطيرا، الامر الذي يناقض الصلات الودية العلنية بينهما والروابط الاسرية من خلال الزواج.
وبحسب الكتاب الذي يصدر في تموز الماضي، نقل الصدر سراً مشاعره الى الشاه.

 

مؤلف الكتاب وهو بروفسور في جامعة كولومبيا يقول للصحيفة الاميركية أن "الرواية المتداولة حتى الان هي كما سترون في الكتاب، أن موسى الصدر كان ضد الشاه ومع الخميني، لكن الكتاب يدحض هذه الرواية".

وأمضى كوبر المتخصص في شؤون الشرق الأوسط ومؤلف كتاب "ملوك النفط" الذي صدر عام 2012 عن تاريخ التطور النفطي في دول الخليج العربي، السنوات الثلاث الأخيرة باحثاً في كتابه الجديد.وتستند المقاطع عن "الامام المغيّب" الى أجزاء من مقابلات مع عائلة الشاه ،اضافة الى مسؤولين سابقين ورجال دين في ايران. لكن الأهم ربما هو أن كوبر تحدثَ مع معاونين سابقين للشاه قال إنهم غالباً ما التزموا الصمت أو تم تجاهلهم في ما يتعلق ببداية سقوط النظام الملكي.
قال كوبر إن "الشاه كان مستعداً للدخول في حوارٍ مع الصدر. أعتقد أن الصدر كان يشكّل الأمل الأكبر في التعايش بيت بين الشيعية والحداثة في إيران. اختفاؤه أجهض هذا الحوار وفتح الطريق أمام التيار الشيعي المتشدد في إيران".

النظرية الشائعة
وعلى رغم أن الشاه الذي مات في مصر عام 1980 هو الموضوع الرئيسي للكتاب، إلا أنه يحتوي على حبكة فرعية مثيرة تتعلق بالصدر.
النظرية الشائعة هي أن الصدر وزملاءه خُطفوا وقُتلوا بأوامر من العقيد معمر القذافي الذي دعاهم إلى طرابلس ، وأن الزعيم الليبي الراحل الذي كان يمول مجموعات مسلحة، ربما كان يتصرف بناء على طلبٍ من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في حينه ياسر عرفات الذي كان غاضباً من معارضة الصدر قواعد الميليشيات الفلسطينية قرب الحدود اللبنانية مع #إسرائيل.

وتورد الصحيفة الاميركية أيضاً نظرياتٌ أخرى تفيد أن الأموال التي منحتها ليبيا الى حركة "أمل" فُقدت ، أو أن سوريا اعتبرت نفوذ الصدر في لبنان عائقاً أمام طموحاتها هناك، أو أن الصدر كان على الجانب الخاسر من الصراع الداخلي الشيعي اللبناني. وثمة من يقول ايضاً أن عملاء الشاه قتلوه.
القذافي أصرّ على أن الصدر ورفاقه غادروا ليبيا متجهين إلى إيطاليا، وهو ما ناقضته التحقيقات الإيطالية.
ومع ذلك، لايزال الاهتمام بالمسؤول عن اختفاء الصدر وسببه قائما. وعندما انهارت حكومة القذافي عام 2011، ظهرت تكهنات بأن الصدر لا يزال حياً، وأنه محتجزٌ في سجن ليبي سري منذ ثلاثين سنة.

وتجددت التساؤلات مجددا في شأن مصيره في كانون الاول الماضي عندما اعتقل هنيبعل القذافي في لبنان حيث يتم التحقيق في لغز الإمام المفقود.

الصحافي غلاستون يقدر بأن ايران قد تنظر إلى الكتاب على أنه تاريخٌ محرّف ، الا أن باحثين في شؤون الشرق الاوسط يعتبرون إن وجود تعاون سري بين الصدر والشاه يعتبر أمراً معقولاً جدا.
معلومات غير منشورة
كوبر يقول إن كتابه يوفر معلومات غير منشورة عن اتصالات بين الصدر والشاه تشمل تحذيراً وجهه الصدر في شأن الخطابات التخريبية للخميني في منفاه، وعرضاً قدّم مطلع صيف 1978، قبل اختفاء الصدر بأسابيع لمساعدة الشاه على وقف زخم آية الله.

ولئن كان معروفاً أن حكومة الشاه قد سعت الى إلى تسويات سياسية مع رجال الدين المعتدلين في إيران، قال كوبر إن "الجديد هو أن المعتدلين كانوا يحاولون إيجاد استراتيجية للتفوق على الخميني، وكانت إحدى الافكار تقضي بعودة موسى الصدر إلى إيران".

وكانت هذه الاقتراحات مستمدة جزئياً من علي كاني، الذي كان مقرباً من الشاه، وكان كذلك صديق طفولة للصدر. وكاني الذي بلغ الثمانينات حالياً ويعيش في أوروبا أخبر كوبر أنه عمل في حينه كقناة اتصال بين الصدر والشاه.

في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، عندما انزلق لبنان إلى الفوضى الطائفية، صار نقطة جذب للمعارضين الإيرانيين الذين تدربوا على حرب العصابات.وفي حينه ، حمّل الشاهُ الصدرَ المسؤولية، وأمر بتجريده من جواز سفره.

ولكن الكتاب يقول أنه في تموز 1978، أرسل الصدر رسالة إلى الشاه عبر عميل إيراني في بيروت، وعرض فيها التحدث إلى آية الله الخميني باسم الشاه، ومساعدة الشاه في تهدئة الانتقادات في المؤسسة الدينية.
ويقول الكتاب إنه بعد ذلك بفترة قصيرة ،وافق الشاه على ارسال مبعوث للقاء الصدر سراً في المانيا الغربية في أيلول.الا أن الاجتماع لم يحصل .

ويضيف الكتاب أن القذافي عرض ترتيب لقاء في آب بين الصدر وأية الله محمد بهشتي، المشرف الرئيسي على التمرد ضد الشاه وكبير مساعدي الخميني.

وانطلق الصدر إلى ليبيا في رفقة مساعده الخاص الشيخ محمد يعقوب والصحافي اللبناني عباس بدر الدين.

وبعد أيام من الانتظار في فندق في طرابلس الغرب، نفذ صبر الصدر وقرر المغادرة في 31 آب، من دون لقاء آية الله بهشتي. أما الاحداث اللاحقة فلم تتأكد حتى الان.

فوفقاً لكتاب "الجاسوس الجيد" المنشور عام 2014، وهو السيرة الذاتية لروبرت أميس الذي كان رئيساً لفرع وكالة الاستخبارات المركزية "السي اي اي" في بيروت آنذاك، شوهدت حاشية الصدر في صالة كبار الزوار في جناح المغادرة في مطار طرابلس الغرب، قبل أن يقتادهم رجال القذافي بالقوة ويلقون في سيارة.
وقالت السيرة الذاتية أيضاً إن آية الله بهشتي اتصل هاتفياً بالقذافي لمنع الصدر من المغادرة، مدعياً بأنه عميلٌ للغرب.

وعندما وصل خبر اختفاء الصدر إلى الشاه، أرسل كاني لسؤال زعماء عرب في شأن ما حدث، بحسب كتاب كوبر. في حينه أبلغ كاني أن الصدر قُتِل بأمر العقيد  القذافي.

وأفاد كاني أن الرئيس المصري أنور السادات قال له أنه وفقاً لمصادر المخابرات المصرية، فإن العقيد معمر القذافي وضع جثمان الصدر في صندوق مُغلق بالخرسانة وألقاه من طائرة هليكوبتر في المتوسط.
وقال كاني: "عندما أخبر الشاه بهذا غضب جدا جدا. مكث في كرسيه عشر دقائق".