ركب غمار البحر وانطلق، إلى المجهول مضى وكله أمل أن يلتقيَ بحبيبته في ألمانيا ويؤمن مستقبلاً أفضل له، لم يأبه للمخاطر التي تنتظره ولشبح الموت المتنقل في تلك الأمكنة، فما يعيشه في بلده موت من نوع آخر، لذلك قرر أن يصارع البحر وأمواجه العاتية، لكن للأسف غلبه بعد عدة معارك خاضها معه، أنقذ خلالها عدداً ممن كانوا معه، إنه حسين أحمد ابن بلدة المنصوري الذي "زف في الأمس عريساً" إلى مثواه الأخير كما وصفت والدته بعد أن غرق قارب الموت الذي كان يستقله.

حب ثلاثة اشهر على مواقع التواصل الاجتماعي لم يتوج بلقاء يجمع حسين والفتاة اللبنانية الحاصلة على الجنسية الالمانية التي هتف لها قلبه. الأحلام التي تبادلاها سوية تناثرت في لحظات في ظلمات البحر ، "السلسلة الذهبية التي حفر اسمها عليها هدية لها نسي وضعها في الحقيبة التي حملها معه، بقيت ذكرى تجسد قصة حب شاب دفعته البطالة في بلاده ورفض السفارة الالمانية منحه تأشيرة سفر رسمية إلى المخاطرة بحياته"، بحسب ما قاله والده حسن لـ"النهار" مضيفاً: " منذ أن غادرنا ليبيا، البلد الذي قضينا فيه ثلاثين عاماً واجهنا مصاعب في تأمين لقمة عيشنا، قبل فترة قصد حسين غانا للعمل، تعرض لحادث نجا منه بأعجوبة بعد أن سقط سقف مبنى كان يعمل على صبه، عاد قبل ستة أشهر إلى لبنان ولم يجد عملاً يليق به، فمن شاب حاصل على شهادة دبلوم عالي في الصيدلة الى موزع مياه وأجير، كيف له أن يتقبل هذا المصير؟!".  

  قدر أم اهمال؟ كان من المقرر أن يسافر حسين(30 عاماً) إلى #تركيا حيث تقيم شقيقته بتول، على متن الخطوط التركية عند الساعة الثالثة والنصف من أول الشهر الجاري، لكن اتصالاً هاتفياً اُبلغ خلاله عن تأجيل الرحلة كان كفيلاً بتغيير مصيره "استطلع الأمر من استعلامات المطار التي أكدت الأمر، لنعلم في اليوم التالي أن الرحلات لم تؤجل، حجز في رحلة يوم الأحد، لو لم يحصل التأخير لكان حسين اليوم بيننا، كون المركب الذي كان مقرراً أن يسافر على متنه بداية وصل بسلام، ومع ذلك نقول إن ما حصل قضاء وقدر"، بحسب ما قال شقيقه علي لـ"النهار".  

  ظلمات عاصفة انطلق قارب الموت من السواحل التركية متجهاً إلى اليونان يوم الاثنين في الرابع من الشهر الجاري، " فجأة أصاب المحرك عطلاً ، هبت عاصفة وبدأ الموج يتقاذف المركب يميناً وشمالاً قبل أن يغرقه، كانت درجة حرارة مياه تصل الى 20 تحت الصفر، حسين قفز بسرعة وسبح الى الشاطئ، لكنه التفت خلفه فوجد امرأة جزائرية تصارع الموت مع طفلتها، انقذهما وعاد الى عرض البحر حيث انقذ امرأة أخرى، ليعود مرة ثالثة لكن هذه المرة صرعه القدر".

ولفت علي الى ان "هذا الكلام قالته الناجية الجزائرية التي شرحت تفاصيل ما حدث متحدثة عن بطولات حسين الذي كان في امكانه أن ينجوَ بنفسه لكنه أبى ألا يساعد غيره".  

لم ينجُ من الرحلة التي توفي فيها صديق حسين وجاره محمد خشاب (18 عاماً) واللبنانية شانيل فارس سوى عددٍ قليل من الركاب، خفر السواحل في تركيا عثر على جثمان حسين. عمه الذي كان بانتظاره في #ألمانيا خشيَ عليه عندما لم يتلق اتصالاً منه يطمئنه عن وصوله إلى اليونان، اتصل بالمهرب الذي أبلغه عن الكارثة، وبعد أن كان مقررأ أن يحضر الى لبنان لزيارة الاقارب حط رحاله في بلاد الارز قبل أن يتوجه مسرعاً إلى تركيا ليستعيد جثمانه.

  وكانت مصادر أمنية ذكرت لـ"النهار" في شهر تشرين الأول الماضي ان عدد اللبنانيين المهاجرين عبر مرفأ طرابلس وحده فاق الـ2000، من كل الشمال، بالاضافة الى رقم مماثل عبر مطار رفيق الحريري الدولي.   

  أسباب "قاتلة" عتب كبير على الدولة اللبنانية، من والدة فجع قلبها عندما وصلها نبأ تغيير بوصلة الرحلة التي استقلها ابنها لتصبح الأخيرة في حياته تقول بصوت مطعون يئن ألماً" لو أمنّت له دولته عملاً في مؤسساتها الرسمية لما رحل، لو وجد الكرامة والأمان في لبنان لما فكر يوماً بالمغادرة لكن آسفي على زمن وصلنا فيه إلى مرحلة بات الانسان بلا قيمة ولا عمل" لا بل كما قال علي: "ما يزيد الطين بلة غلاء المعيشة في بلد ضرائبه تفوق بكثير غيرها من البلدان ".

مصير حسين مشابه للعديد ممن ركبوا قوارب الموت، ولن يكون الأخير طالما الأمن والأمان مفقودان في لبنان وغيره من البلدان، ويبقى السؤال هل أمواج البحر من تخون الناس أم الزمن الذي يرمي بهم إلى أحضانها؟    

النهار