إن الفقيه حينما يُنتج حكما أو فتوى تارة  يستند إلى ظاهر آية او رواية وتارة أخرى لا يستند إلى ظاهر آية ولا إلى ظاهر رواية وإنما يستند إلى اجتهاده العقلي  وإن الفتوى التي لا  يستند فيها الفقيه لا إلى ظاهر آية ولا إلى ظاهر رواية هذه الفتوى لا تسمى بلغة الفقهاء حكما شرعيا واقعيا ولا حكما شرعيا ظاهريا وإليك نص الفقهاء أنفسهم كما ينقله لنا الفقيه والعالم الشهير الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله : {  أما الحكم الظاهري فإنه مجعول للفعل من حيث الجهل بحكمه الواقعي وعدم العلم به ولا بد من التنبيه إلى ان مؤدى الأدلة الظنية المعتبرة شرعا ليس حكما واقعيا ولا ظاهريا لأنها مجرد طريق إلى الواقع وكفى فإن صادفته تنجز أي ثبت  وإلا فهي عذر فقط }  المصدر كتاب أصول الفقه في ثوبه الجديد مباحث الشك بين الحكم الواقعي والظاهري محمد جواد مغنية .  

من البديهيات عند اهل العلم أن نعتبر رأي الفقيه الذي لا يستند فيه إلى ظاهر آية ولا إلى ظاهر رواية ليس هو إلا رايا ولا يصح ان نعتبره رأي الشرع الواقعي او الشرع الظاهري حيث يبقى رأيه رأيا معذورا فيه هو ومن قلده مطمئنا لصحته سواء كان مصيبا فيه أو مخطئا لماذا ?

لأنه شتان بين رأي الفقيه الذي يستند فيه إلى آية أو رواية وبين رأيه حينما لا يستند فيه لا إلى آية ولا إلى رواية وإنما يستند فيه إلى اجتهاده العقلي فقط لا غير  وإذا سألت عن الفائدة من وراء هذا الكلام فالجواب : إن الفقهاء كافة وعلماء الشريعة جميعا يعتقدون اعتقادا صريحا وبديهيا بأن ما تحت أيديهم من فتاوى منها ما هو من أحكام شريعة الإسلام ومنها ما هو من اجتهاداتهم الظنية ومن آرائهم الظنية وصحيح انها تعذر الإنسان أمام الله تعالى إلا أنه لا يصح أن يُقال عنها بأنها احكام شريعة الإسلام وهذا الفارق الكبير والنوعي والعظيم بينهما يقتضي ويفرض على كل فقيه ومتفقه وعلى كل عالم ومتعلم أن يبين للناس ذلك كي يعلمون ما يجب علمه أي بأن تحت أيدي الفقهاء فتاوى هي من احكام شريعة الإسلام لا ينسخها إلا الله وفتاوى هي عبارة عن آراء وليدة اجتهاداتهم الظنية وآرائهم الظنية تتغير وتتبدل وتتحول أي ينسخها العالم والفقيه باجتهاد ظني معاكس وبدليل ظني معاكس .

وبهذا الفقه الإسلامي وحده نصنع إنسانا ومجتمعا مسلما متسامحا معتدلا وسطيا معافى من مرض تقديس غير المقدس لأن هذا المرض الخطير يجر مجتمعنا نحو التطرف والتحجر والتقليد الأعمى وهذا المرض يملك قدرة خارقة على تدمير كل معنى من معاني التسامح والإعتدال والوسطية وبتعطيل كل طاقات المجتمع في التامل والتدبير والتفكير والإجتهاد العقلي .       الشيخ حسن مشيمش