لماذا إعلان مضايا؟
ليست المأساة السورية تقتصر فقط على القتل والتهجير والدمار الذي سببه، ولا يزال، هذا الصراع المدمر المستمر على الارض السورية. المأساة تجاوزت هذا القدر الكبير من الحرب التدميرية، التي اتضح انها اصبحت حربا عبثية بعدما دخلت الدول الكبرى والاقليمية للاستثمار في هذا الدمار، في سبيل غايات اخرى لا علاقة لها بمصالح السوريين.
هذه الصورة باتت شديدة الوضوح، لكن ما هو فاجع انسانيا ان تصبح حياة المدنيين وسيلة لتحقيق غايات سياسية. اذ ان الانقسام السياسي، وحتى الحرب، في المعايير الانسانية والدولية كلها، يجب الا تكون وسيلة من وسائل منع الغذاء والدواء والماء عن الآمنين. رغم هذا تشهد مضايا حصارا مستمرا منذ مطلع صيف 2015. ومن الثابت ان هذا الحصار يطاول 23 الف مواطن، بحسب حزب الله، واكثر من40 الفا بحسب جهات اخرى. وهو حصار لا يشرف عليه النظام السوري وحزب الله بحق مجموعة من الشيشان، او مجموعة من المقاتلين القادمين من العراق، ولا عناصر تابعة لتنظيم داعش، ولا جنود صهاينة، بل يستهدف سوريين وابناء منطقة الزبداني وقرى القلمون. اي ان المحاصرين، من قبل عناصر المقاومة الاسلامية التابعة لحزب الله، هم مواطنون سوريون على ارضهم.
هؤلاء سوريون، مهما بلغ توصيفهم من قبل حزب الله. لا شيء يعطيه ايّ حق في ان يقاتلهم على ارضهم ويحاصرهم ويدمر قراهم ويساهم في تهجيرهم هم الذين هجرّ جزء كبير منهم من بلدات القصير وبلدات ممتدة على طول الاراضي السورية المحاذية للبنان.
مضايا، بحسب ما ينقل بعض المحاصرين فيها، ممنوع اهلها من الدخول والخروج من البلدة... بل ثمة "عملية نهب منظم وخبيث للبلدة من خلال عمليات شراء لبيوت واراض، تكشف عن مخطط لتغيير ديمغرافي اما بالضغط النفسي والاقتصادي والغذائي، او بالتدمير الممنهج كما حصل في الزبداني".
ليس هذا فحسب. فإزاء جريمة الحصار وتداعياتها الانسانية، التي اكدتها منظمات دولية وانسانية محايدة عاملة على الاراضي السورية، كشفت التقارير الاعلامية والصحافية عن مأساة أدت الى ما يشبه المجاعة وسوء التغذية للسكان، وتسببت في موت العشرات بسبب الجوع او انعدام سبل الحصول على الدواء. في مقابل هذا الواقع برزت ظاهرة الاستهزاء بمأساة مضايا. ظاهرة تورط بها إعلاميون وناشطون ووسائل إعلام جدية، وانتقدها الإعلام الأميركي والأوروبي. حملة أوحت وصرخت بأن كل ما يقال عن مجاعة مضايا إنما هو إلا كذب. واستعرض بعض الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي ساديتهم بشكل مثير للشفقة وللاشمئزاز.
في مقابل هذه التغطية على جريمة الحصار، بدا ان القوى السياسية والدينية لدى الطائفة الشيعية لم تطلق اي موقف يستنكر هذا السلوك، في الحد الأدنى، قبل ان تستنكر حصار مضايا بمشاركة من قبل حزب الله. ليس خافيا ان اطرافا اساسية في الممانعة، كالتيار الوطني الحر وتيار المردة، مثل سليمان فرنجية وحتى وئام وهاب، عبّروا بوسائل مختلفة عن اعتراضهم على حصار مضايا وغيرها. والبطريرك بشارة الراعي كان له موقف رافض لمنطق الحصار والتجويع.
كان مؤسفا الصمت المريب والمؤسف من قبل من يضعون انفسهم في موقع المسؤولية داخل الطائفة الشيعية اللبنانية. لهذا بادر عدد من الناشطين المدنيين، الذين ينتمون الى الطائفة الشيعية، بإطلاق "إعلان مضايا"، لإدراكهم ان ما يجري في سورية، من جريمة متمادية يشارك فيها طرف لبناني، تتطلب منهم اعادة التأكيد على رفضهم الانخراط اللبناني في الحرب السورية. كما ذهبوا إلى اعادة التذكير بأن ليس من حق حزب الله ان يشارك في حصار سوريين داخل اراضيهم، ولا أن يساهم في تجويعهم وقتلهم سواء كانوا محايدين او مقاومين له.
إعلان مضايا" ليس الا موقفاً يعبّر عن الحد الادنى من التضامن مع المحاصرين وكلاما لا بد منه ازاء هذا التدمير الذي وصل حد التفريط بالحدّ الادنى من القيم الانسانية. لذا أدان الاعلان بالمطلق منطق “توازن الموت” ونهج الحصار، خصوصاً حينما يأخذ هذا البُعد المأساوي بفرض الحظر على الغذاء والماء والدواء لتحقيق غايات سياسية. واعتبر الإعلان ذلك تجاوزاً لكل القيم الإنسانية والمفاهيم العربية، ومواثيق حقوق الإنسان.
وجدد مئات الموقعين عليه، من الناشطين والشخصيات اللبنانية المتنوعة، رفض أن يشارك لبنانيون في عمليات القتل والحصار ضد أهلنا في سورية تحت حجّة “القضاء على الإرهابيين”. وهو المنطق الإسرائيلي عينه الذي تمارسه إسرائيل ضد المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين منذ عقود.