على وقع ردّات الفعل التي غاصَت بها المدن الشيعية والعواصم الإسلامية التي تدور في الفلك الإيراني، يحرُص زوّار الرياض على القول إنّ القرار بإعدام الشيخ نمر النمر لم يكن يوماً قراراً خاضعاً للنقاش على رغم كلّ التدخلات التي رافقت صدوره وأيّاً كانت ردات الفعل. وعلى رغم قرار المملكة قطع العلاقات بين الرياض وطهران، فإنّ لها قراءة أخرى للمرحلة المقبلة. ما هي عناوينها؟ لم تُفاجأ الرياض بردّات الفعل على إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، فهي كانت تحتسبها بدقة متناهية قياساً على حجم التدخّلات التي رافقت صدور الحكم بحقّه قبل أن تقول المراجع الدينية في المملكة كلمتها النهائية والتي لم تعد قابلة لأيّ شكل من أشكال المراجعة الديبلوماسية والسياسية والروحية بالإستناد الى الجرائم التي نُسبت اليه.

وأضافت المصادر الديبلوماسية السعودية أنّ مواقف النمر لم تقتصر على المسّ بأمن المملكة وقيادتها وبما تشهده المملكة فحسب، بل إنّه كان مناهضاً لعدد من الأنظمة الخليجية والعربية وصولاً الى النظام السوري الذي قال فيه ما لم يقله أحد قبلاً، وهو أمر كان يُعالج في هدوء قبل أن تسوء العلاقات بين الرياض ودمشق واندلاع الأزمة السورية وانقطاع كلّ أشكال العلاقات بين النظامين وانقلاب الصورة الى الشكل السلبي القائم حالياً.

وبناءً على ما تقدّم، نقل زوّار الرياض عن مراجع ديبلوماسية أنّ المملكة احتسبت في قرارها إعدام النمر ورفاقه والمتهمين الآخرين حجم الضغوط الدولية التي تتعرّض لها والمساعي السياسية والديبلوماسية التي بُذلت لترتيب العلاقات بينها وبين طهران في ظلّ الأجواء التي رافقت صدور قرار سعودي كبير بإعادة العلاقات الديبلوماسية الى سابق عهدها بين الدولتين وتسميتها سفيراً جديداً لرفع مستوى التمثيل الديبلوماسي المتدنّي منذ سنوات عدة بين الدولتين والذي لم يتخطّ مستوى القائم بالأعمال بعدما إختارت سفيرها الجديد من الديبلوماسيّين المخضرَمين والذي أمضى أكثر من عقدين من الزمن في موسكو وتحوّل في العقد الماضي عميد السلك الديبلوماسي فيها.

ولذلك قال الزوار إنّ القرار لم يُتّخذ لتخريب التوجّه السعودي الجديد الى الحوار الذي كانت تستعدّ له مع طهران، على اساس أنّ هذا الأمر شأنٌ سعودي داخلي لا يرقى الى مستوى علاقاتها مع أيّ من الدول العربية والغربية على حدٍّ سواء.

وأضاف الزوّار: أنّ التوقيت الذي اختير للعملية شكّل امتحاناً قوياً للمرحلة المقبلة في العلاقات بين الدولتين وللداعين من دول الخليج الى مثل هذا الحوار.

ولو تجاوبت إيران بما كانت تأمله المملكة شكلاً ومضموناً لما وصلت الى مرحلة قطع العلاقات فوراً بين البلدين وهو ما أدركته الدول الخليجية التي وقفت الى جانب الرياض في هذه الأزمة.

ونُقل عن ديبلوماسي سعودي رفيع قوله: لو التزمت طهران القواعد الديبلوماسية في تعاطيها مع الحدث واعتبار أنّ ما حصل لا يعنيها طالما أنّ الأمر يتصل بتنفيذ حكم الإعدام في حق «مواطن سعودي» لم يزر إيران منذ عقود بعد تلقيه علومه الدينية فيها وسبق أن تنكّر لعلاقاته معها في أكثر من مناسبة قبل أن يقود حركات العصيان التي شهدتها المنطقة الشرقية للمملكة، معتبرين أنّ ما حدث شأنٌ سعودي لا يرقى الى إهتمامات أيّ من الدول الجارة للمملكة وتلك البعيدة منها.

وأضاف الزوار: كان القرار مناسبة لتكشف المملكة مدى استعداد طهران لإحياء العلاقات الطبيعية بين البلدين والمباشرة ببناء جدران الثقة بينهما وبدء الحوار في شأن سلسلة الأزمات التي تعنيهما من اليمن والبحرين الى سوريا والعراق فلبنان، والتي بدأت بشائرها في جلسات الحوار التي استضافتها سلطنة عمان وتلك التي شهدتها عواصم عدة بين وزيري خارجية البلدين على هامش أكثر من مؤتمر ولقاء.

وكشف الزوار أنّ معظم عواصم العالم تلقت تطمينات إيرانية نقلها اليها وزير الخارجية الإيرانية محمّد جواد ظريف معبّراً عن رغبة بلاده في عدم تصعيد الموقف مع الرياض التي ردَّت على التحية بمثلها بعد إنفاذ حكم الإعدام، لكنّ ذلك بقي حبراً على ورق.

ولا ندري من هي الجهات الإيرانية التي قادت التحرّك المنظم في اتجاه السفارة السعودية في طهران وقنصليتها، والسعي الى اعتبارها مظهراً من مظاهر الشغب على يد مواطنين غاضبين لتبرير ما حصل نتيجة خلافات إيرانية داخلية لا تتحمّل المملكة وزرها.

وعليه، لا يُخفي زوار الرياض يقينهم بأنّ ما حدث سيؤخّر انطلاق الحوار بين الدولتين الى حين ولن يعطله نهائياً. ورهانها أنّ الوساطات الدولية ولا سيما الخليجية منها ستتجاوز هذه المرحلة بعد حين إلّا إذا ظهر أنّ إيران تسعى الى ترك اللغة للسلاح في الميدان في سوريا واليمن ليقول كلمته الفصل في ما يمكن القيام به في المستقبل وعندها لكلّ مقام مقال.

    جورج شاهين