لم تختلف تفاصيل ويوميات العام 2015 عن سياق ما تعيشه مختلف القرى والبلدات البقاعية منذ العام 2010، تاريخ اندلاع الاحداث السورية وما نتج منها من تداعيات مباشرة على كل مفاصل الحياة في المنطقة التي لم يكن غريباً أن تتأثر بهذا اللهيب الذي يجاور الحدود اللبنانية السورية.
للسنة الرابعة على التوالي لا يزال البقاع يدفع الفاتورة الاكبر أمنياً واقتصادياً واجتماعياً من جراء تبعات الأحداث السورية التي زادت من أضرارها الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، من خلال كارثة اقتصادية لبنانية، تضاف إليها المخاوف الأمنية من جراء سقوط بعض الصواريخ العابرة للسلسلة الشرقية اللبنانية باتجاه القرى اللبنانية، ناهيك عن المأساة اليومية التي تتمثل بتواصل تدفق النازحين السوريين مقابل انخفاض التقديمات الاغاثية، وان كان يلاحظ في الآونة الاخيرة ارتفاع بسيط ومحدود في مستوى مجمل التقديمات الانسانية والاجتماعية، ومرد هذا الارتفاع هو محاولة دولية للحد من الهجرة السورية باتجاه الدول الاوروبية .
لا يزال الحدث الأمني في طليعة الأخبار التي تتوارد من البقاع وخصوصا في شماله الذي يجاور القلمون السوري الملتهب، حيث جرت معارك طاحنة خلال العام 2015 تمكن خلالها الجيش السوري و «حزب الله» من إبعاد التنظيمات الارهابية عن الحدود اللبنانية الشرقية وحصرها في جرود عرسال حيث تتمركز «جبهة النصرة»، وجرود رأس بعلبك حيث «داعش».
انتهت يوميات جبهة القلمون السورية بابتعاد التنظيمات السورية الارهابية الى مسافات تتجاوز مساحتها كيلومترات عن الحدود اللبنانية ـ السورية، في حين أدت إجراءات الجيش اللبناني إلى إحكام الطوق الامني على هذه المجموعات، بالرغم من تكبّد الجيش اللبناني المزيد من الشهداء من أفراده ورتبائه وضباطه، حيث تلقت المؤسسة العسكرية في بداية السنة الحالية، وبتاريخ 23 كانون الثاني، ضربة موجعة على أثر هجوم لـ «داعش» استهدف مواقعه في رأس بعلبك أدى إلى سقوط ثمانية شهداء للجيش اللبناني.
في المقابل، استعادت عرسال مآسي التفجيرات الحربية والانتحارية التي تمثلت بتفجير استهدف اجتماعاً لمشايخ وعلماء القلمون وذهب ضحيته عدد من المشايخ. وتلاه في اليوم الثاني استهداف إرهابي لدورية للجيش اللبناني لم يسفر عن ضحايا.
معارك مفتوحة
أخبار عرسال الامنية والعسكرية أخطرها ما شهدته، ولا تزال، من حروب تصفية تدور على أرضها بين «الجيش السوري الحر» وعناصر «جبهة النصرة» و «داعش». وهي حرب نجم عنها سقوط قتلى عديدين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أقدم شخص من آل أمون ينتمي إلى «داعش» على تصفية الضابط في «الجيش السوري الحر» عبدالله حسين الرفاعي المعروف باسم «أبو حسين» أمام منزله في وسط عرسال بثلاثين طلقة، ما أدى إلى حصول عمليات قتل متبادلة.
لهيب النيران السورية لم ينحصر في حرب التنظيمات السورية، بل شهدت التلال والهضاب في جرود عرسال معارك كر وفر بين «جبهة النصرة» و «حزب الله»، الذي قيض له أن يحد من مخاطر هذه المجموعات من خلال استهدافات محكمة آخرها إقدامه على تنفيذ عملية نوعية أدت إلى مقتل قيادي بارز في «الجبهة» يدعى ابو فراس الجبة وعدد من مرافقيه.
لا حدود لمعاناة عرسال «المحتلة»، كما وصفها وزير الداخلية نهاد المشنوق، فإرهاب التنظيمات السورية المسلّحة ومحاكم «داعش» الشرعية التي أمعنت في إصدار أحكام الإعدام، أديا إلى إراقة دماء العرساليين، على مثال مقتل الشاب علي عز الدين بعد خطفه من قبل عناصر «داعش» الذين عادوا وطالبوا عائلته بالرحيل وترك عرسال، الامر الذي رفضه الاهالي وقاموا بقتل أحد عناصر «داعش» ثأراً لعز الدين. كما يسجل، في هذا السياق، مقتل الشاب طلال البريدي على يد عناصر «داعش»، إضافة الى قتل العشرات من آل الحجيري وبينهم يونس الحجيري الذي قطع رأسه بواسطة منشار حديدي، ومؤخراً جرى إعدام شقيقه علي عبدالله الحجيري ومخيبر عز الدين على اثر قرار أصدرته «المحكمة الداعشية».
ومقابل المآسي التي خرجت من عرسال، المتربعة على صدارة الاحداث الامنية والعسكرية، ليس في البقاع وحسب، إنما على طول الاراضي اللبنانية، شهدت استثناءً إيجابياً للمرة الأولى منذ أربع سنوات، تمثل بعملية الافراج عن العسكريين المخطوفين لدى «جبهة النصرة» وعددهم 15 عسكريا، إلا أن الفرحة ظلت منقوصة، بانتظار استكمالها مع الافراج عن العكسريين التسعة المخطوفين من قبل «داعش»، والذين لا يزال مصيرهم مجهولاً بالكامل.
فلتان أمني مستمر
لم يقتصر الخبر الامني في البقاع على الاحداث السورية أو العرسالية، فأهالي قرى البقاع الشمالي لا يزالون أسرى عصابات الخطف والسلب والاعتداءات المسلحة على الاملاك الخاصة وفرض الخوات المالية، في ظاهرة ذهب ضحيتها العديد من أبناء بعلبك ممن حاولوا مواجهتها.
في عز الخطة الأمنية لم يرتدع قطاع الطرق، بل زادوا من إرهابهم وبلطجتهم التي تجرأت ووصلت الى حدود اعتراض رجال دين، كما حصل مع المطران علوان. كما وصلت وقاحتهم إلى حد قتل عنصر أمني والتعرض لدورية أمنية كانت تقوم بمهامها، فسقط المعاون ادمون سمعان شهيد العجز الامني في منطقة باتت أسيرة العصابات.
في الارقام، بلغ مجموع عمليات الخطف لهذا العام 45 عملية وفق احصاء امني من دون احتساب حادثة خطف هنيبعل القذافي. كما بلغت عمليات سرقة السيارات ما يزيد عن 157 سيارة لم تسترد واحدة منها إلا بالفدية المالية، ومنها ما تم تهريبه الى الداخل السوري، يضاف إليها 135 عملية سرقة لمنازل ومؤسسات ومكاتب. كما أن عمليات سلب الاشخاص، وخصوصاً من التابعية السورية تجاوزت هذا العام 64 عملية.
التفجيرات لم تكن بعيدة عن منطقة البقاع الاوسط، وبعد مرور اكثر من عام على آخر تفجير استهدف حافلة تقل عناصر من «حزب الله» على طريق المصنع الحدودية، شهدت شتورة في الخامس من ايلول تفجير عبوة ناسفة جرى زرعها داخل احد الخنادق المحاذية لطريق داخلية في شتورة ولم تسفر عن اية اصابات. علماً أن القوى الامنية في شتورة سبق لها وقبل أيام من التفجير المذكور أن عثرت على عبوة جاهزة للتفجير وضعت داخل الحاجز النصفي عند الطريق الدولية في تعنايل.
في اليوميات الامنية، تواصلت إجراءات الجيش اللبناني على طول البقاع. واحترازياً جرى إبعاد تجمعات النازحين السوريين عن محيط المواقع العسكرية. كما تم منع إنشاء مخيمات لا تبعد أقله 350 مترا عن الطرق التي تسلكها الآليات العسكرية.
في المقابل، لم تكن منطقة البقاع الغربي بعيدة عن أجواء الحرب السورية. وشهدت هذه المنطقة تداعيات عدة منها سقوط طائرة استطلاع فوق تلال صغبين كانت تقوم بمهمة عسكرية على الحدود السورية ـ اللبنانية. كما سقطت، ولاول مرة، قذائف سورية داخل منطقة المنارة التي تقابل الحدود السورية.