حسين آيت أحمد، زعيم جزائري من القادة التسعة الذين أشعلوا وقادوا الثورة الجزائرية ضد فرنسا. مات أمس في المهجر.

كان يمكن لسي أحمد، أن يشعل حرباً في الجزائر تمتد الى المغرب العربي كله، طلباً للسلطة، لكنه اختار المنفى حفاظاً منه على الجزائر. سي أحمد هو زعيم البربر أو الأمازيغيين، لو قال للسلطة: «أنا الأقوى وأن لي أحقية تاريخية ولن أقبل باستبعادي، لكان وجد استعداداً شعبياً للاعتراض الذي كان سرعان ما يتحول الى نار تحرق الجزائر، خصوصاً وأن قوى داخلية وخارجية، تعمل منذ سنوات طويلة تحريضاً وتحضيراً لمثل هذا الانفجار الذي لديه كل ما يلزم لتحويله الى نار تحرق الجزائر وامتداداً إلى باقي دول المغرب العربي الكبير. قدر القادة الوطنيين والتاريخيين أن يبقوا قادة يفضلون أوطانهم ولا يقولون نحن أو لا أحد.

هذا الكلام عن حسين آيت أحمد ليس خارج السياق العام، رغم أنه لكثرة مصائبنا وهمومنا في المشرق العربي نسينا نصفنا الآخر أي المغرب العربي الكبير. الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عاش دائماً تحت عباءة الرئيس هواري بومدين، وكما يبدو فإنه تعلّم منه القيادة والكثير من فنون السياسة الداخلية، وغرف من موقعه وزيراً للخارجية الكثير من التكتيكات المحركة. الآن، وهو من «سريره»، يعمل على ترتيب الجزائر بحيث لا تقتحمها «عواصف الربيع العربي» أو طموحات الأمن والعسكر. ولا شك أنه حقق حتى الآن الكثير من الترتيبات لعل أهمها إبعاد «الشبح» الجنرال توفيق عن الأمن والسلطة، وحتى لا نغرق في التفاصيل التي سيأتي دورها في ما بعد، فإن بوتفليقه يعمل لتحقيق تفاهم وحتى مصالحة عربية إيرانية، لأنه بذلك يحصّن السلم الأهلي في الجزائر وفي منطقة الشرق الأوسط. استمرار المواجهة العربية الإيرانية لا بد أن تكسر كل الحدود لتصل «نارها» الى الجزائر نفسها.

الرئيس بوتفليقة الذي استقبل قبل أيام عشرة نائب الرئيس الإيراني جهانغيري، عمل على فتح باب الحوار فالمصالحة بين السعودية وإيران، ويبدو أنه نجح في إنجاز الخطوة الأولى على طريق الألف ميل. يكفي لاستقراء مسار الحوار فالمصالحة مقارنة ما كان يقال قبل أشهر وحتى قبل أسابيع وما يصدر حالياً خصوصاً من الذين كانوا يقودون التشدد أو يجسدونه في إيران.

في الثاني من أيلول من العام الماضي، جمع الجنرال جعفري قادة الصف الأول في «الحرس الثوري» وقال لهم: «إن حرباً شاملة مع الدول العربية سوف تقع. نحن لن نبدأ هذه الحرب لكن علينا خوضها بكل شجاعة». طبعاً لم تهاجم أي دولة عربية إيران بينما هاجم الجنرال قاسم سليماني في سوريا واليمن والعراق، بينما تولى نائب وزير الخارجية المتشدد أمير عبداللهيان، خلق كل المفاعيل والأعذار لبقاء الانتخابات الرئاسية في لبنان في الثلاجة.

حتى الآن كما يقول وزير خارجية إيران جواد ظريف «جرت محادثات مقتضبة مع السعودية إلا أنها كانت جيدة جداً. بعد أسبوع واحد على هذا الكشف توالت التصريحات الإيرانية التي وضعت لدفع مسار الحوار والتهدئة تمهيداً للمصالحة بإرادة مشتركة.

المؤشر الكبير الى البداية الإيجابية جاء من ممثل التشدد في الخارجية الإيرانية والمتابع للملف السعودي الإيراني وملف لبنان عبد اللهيان إذ قال أمس:

*«إن إيران ترحّب دوماً بتطوير العلاقات مع أصدقائنا في المنطقة».

*»إن العلاقات التجارية والاقتصادية كانت دائماً من أهم أبعاد العلاقة التي تربط بين إيران ودول الخليج..».

بدوره فإن آية الله هاشمي رفسنجاني الذي يقود سياسة الواقعية السياسية شدّد دائماً على أنه: «يجب التحلي بالوعي واليقظة التامة والوفاء بالوحدة خصوصاً في ما يخص الشؤون الوطنية والتقريب بين السنة والشيعة عند الحديث عن القضايا الإقليمية لاتخاذ الخطوات السليمة حيالها».

الحوار بدأ، لكن مساره طويل، وهو يتطلّب الشجاعة والصبر خصوصاً في حال حدوث اختراقات غير متوقعة، ويبدو أن لبنان ما زال كما كان دائماً «علبة البريد» الذي تمر عبره «الرسائل» الإيجابية والسلبية. ولا شك أنه في المرحلة الحالية يبقى «حزب الله» بمواقفه يشكل «بوصلة» التحولات. فالحزب لا يأخذ قراراته بعفوية أو من دون تعمق مع استرشاده دائماً في وجهة «البوصلة» الإيرانية لأنها تبقى الأقوى والأدق، واستعداداً من «حزب الله» لجاهزية حضوره في «المحطة» المناسبة، فإنه بدأ التحضير لملاقاة التحولات بالدراسات الجادة والواقعية من ذلك أن «المركز الاستشاري للدراسات» القريب من الحزب استضاف باحثاً إيرانياً مهماً أكد أن «أولوية إيران اليوم هي تحسين العلاقات بدول المنطقة»، علماً أنه يجري الإعداد لعقد مؤتمر عام حول العلاقات العربية الايرانية برعاية الحزب.

أخيراً، وربما يكون سحب الجنرال قاسم سليماني سواء كان مصاباً بجراح خطيرة أم لا من التداول الإعلامي، هو لإبعاد صورة الحلول العسكرية والتدخل الإيراني السلبي، تمهيداً للحوار «بروحانية ظريفة» تنتج التغيير الكبير المتوافق مع عودة إيران الى تحت «مظلة» الشرعية الدولية، التي تشرعن حقوقها الطبيعية من دون تجاوز لمواقع الآخرين من جيرانها.