يا رسول الله ..
 رغم ميلادك المبارك ومبعثك الجميل وتعاليمك الهادية إلى رحمة عالمية تنقذ المسلمين من جهالات الجاهلية،وتحتضن جميع الناس فلا تستهين بأحد منهم،حتى لا يضيق هذا الكون بخلق الله،إلا أننا يجب أن نعترف بين يديك وبكل مرارة،
 أننا في الواقع المرير قد أغلقنا نوافذنا في وجه شمسك المشرقة خيراً وجمالا ،فحبسنا أنفسنا في دهاليز الجهل وزنزانات العصبية، ثم قيّدنا عقولنا بحبال ثقافة الإنغلاق،واستبدلنا التواضع بالإستعلاء في الأرض،حتى لكأننا يهود أمتك،فصار الانتقاص مسيطراً على سلوكنا وأمسينا الأخسرين أعمالاً ،ولا زلنا عاجزين عن قراءة لغة السمو ولواعج الإعتراف، فلا نحن مستعدون للاعتذار عندما نخطئ لأننا مكابرون مغرورون،ولا نحن إلى الصفح والغفران أقرب عندما نقرأ عن تسامحك،وذلك لأننا طواغيت مستبدون .. وبين هذه وتلك ،فإن أصواتنا هي الأعلى في اللهج بإسمك والمناداة بقيمك والصلاة عليك آناء الليل وأطراف النهار،
وكل أؤلئك شاهد علينا وكذلك أنت ،ستبقى الشاهد إلى يوم القيامة " وَقَالَ الرّسُولُ يَرَبّ إِنّ قَوْمِي اتّخَذُواْ هَـَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً " نشتهي الظلم والقرآن حرّمه ، نأكل الربا وهو نار في البطون ،
نضحك لبريق الدرهم والدينار ،ولا نبكي على ما ضاع من ديننا ودنيانا ، ندّعي الورع عن محارم الله وشغلنا الشاغل مزيدٌ من الغيبة والنميمة والبهتان وتقول الأقاويل ،نحرّضُ وهو فتنة ، والفتنة أشد من القتل ، يغرينا الطبل والزمر ويضجرنا الوعظ والذكر ،تبرجت نساؤنا تبرج الجاهلية وصارت الذريعة أن الإيمان في القلب ،
ولكن القلب محجوب والفكر معيوب ،وكذلك نفسدُ ثم نقول إنما نحن مصلحون ، نكذب حتى ينقطع النفس وندعي أننا مع الصادقين ، نعصي جهاراً ونريد الموعظة سراً ، نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض ، نفتي بغير علم ، ونغضب من غير حلم ، نمدح من أعطانا ونذم من منعنا ، نتنازل عن أحكام الدين بمقدار ما تعطينا الدنيا ، نجاهد حين يكون الجهاد وظيفة ، ونتخلف عن الزحف حين يمسي الجهاد فريضة ، نألف الجهل ونعادي العلم ونكره العلماء ونقدس الزعماء ، نهوى حرفة الرثاء ولا نحيا حياة الشهداء ، نعبسُ لأن التقوى عندنا في تقطيب الحاجبين وتعكير الجبين، ونجهل أن التقوى في الصدر وما حوى والقلب وما وعى ، وورع الفعل أتقى وأهدى ،حيث لا يكفي تعفير الجبين ولا زيارة الأطهرين ،تضيق صدورنا بالقرآن ونحن نقرأه ، نؤذي محمداً ونحن نصلي عليه ، نسير ونسير ثم لا نلبث أن نرى أنفسنا عند أول المسير ..فأيُ محمديةٍ تلك القابعةُ في قلبِ مسلمٍ،لا يريدُ أن يقتبسَ من وجه النبي(ص)بسمةً أو ضحكة ،مغلَّقِ العقلِ وضيقِ الصدر ،يُصرُّ على التحريض سراً، وعلى الفجور جهاراً، يصلي عليه ولا ينتهجُ نهجَه في التقوى ومكارمِ الأخلاقِ والجدالِ بالتي هي أحسن
.

الشيخ عباس احمد شحادي