يبدو أن هناك تحسناً طفيفاً في العلاقة بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين في رأي متابعين جديين من واشنطن للعلاقة بين الدولتين والأوضاع في الشرق الأوسط. فهما يتحدثان مع بعضهما بين حين وآخر. وممثلوهما يجتمعون في فيينا وعواصم أخرى. وهناك بعض التقدم. ولا أحد يشك في أن وزير الخارجية جون كيري أظهر مرونة مهمة عندما قال ان الرئيس السوري بشار الأسد يستطيع أن يبقى لفترة انتقالية. لكنه تابع أن عليه أن يذهب في النهاية. وفي هذا الاطار يمكن ملاحظة أمل وان ضعيفاً حتى الآن. اذ يبدو أن بوتين أدخل تغييرات طفيفة على مواقفه. فعمله العسكري داخل سوريا لم يعد مقتصراً على استهداف المعارضة المعتدلة، بل بدأ يشمل التنظيمات الاسلامية المتطرفة وفي مقدمها "داعش" و"جبهة النصرة" وأمثالهما. وقد يكون أحد أسباب التغيير تفجير "داعش" الطائرة المدنية الروسية في أجواء مصر قبل أسابيع التي راح ضحيتها كل ركابها. لكن قد يكون من أسبابه أيضاً الاقتصاد غير السليم لبلاده، والعقوبات المفروضة عليها بسبب احتلالها شبه جزيرة القرم وتدخلها العسكري لدعم روس شرق أوكرانيا المطالبين بالانفصال أو بالحكم الذاتي، واستمرار الانخفاض المريع في أسعار النفط أو تفاقم تدنّيها اذا بدأت ايران الاسلامية بعد رفع العقوبات الدولية عنها تحسين بنيتها التحتية النفطية وزيادة انتاجها من النفط الخام. والسؤال الذي يطرحه المتابعون أنفسهم هو: هل يستطيع بوتين متابعة سياساته المتحدية في ظل الأحوال الموصوفة أعلاه؟ طبعاً لا يمتلك أحد جواباً عن ذلك. فالصراع بما يتخلله من مناورات متبادلة وشروط لا يزال في أوّله. لكن ما يمكن أن يُقال في هذا الشأن أن مرونة بدأت تظهر عند بوتين وخصوصاً بعدما بدأ يلمس فداحة كلفة تدخله العسكري في سوريا. وبدا ذلك من قوله للأسد انك: لا تمتلك تفويضاً مطلقاً، أي "شيكاً على بياض". لكن في هذا الموضوع يجب عدم اغفال موقف اسرائيل. فهو كان مع استمرار نظام الأسد لاعتبارات مصلحية. ولا يزال كذلك بعدما "فرّخت" في الساحة التنظيمات الاسلامية المتطرفة جداً مثل "داعش"، وبعدما نجحت ايران الاسلامية بواسطة "حزب الله" اللبناني وميليشيات اقليمية عدة في أن يكون لها مواطئ قدم في سوريا وفي ظل سعيها الى السيطرة على مناطق حدودية مع اسرائيل. مثلما هي مسيطرة بواسطة حليفها على مناطق لبنانية حدودية معها، وتالياً لكي تصبح أقوى اللاعبين في شرقي المتوسط. الا أن "التفاهم" بين اسرائيل وروسيا ربما يقف عائقاً في وجه ذلك، وربما يكون من أسباب التباين وحتى الاختلاف بين طهران وموسكو لاحقاً. كما أن تردي العلاقة بين روسيا وتركيا ووصولهما الى حد القطيعة قد يهدد مستقبلاً "المرونة" التي ظهرت في علاقة الرئيسين بوتين وأوباما، والتي يعوّل عليها الكثيرون لوقف الحرب - المجزرة في سوريا. وفي هذا المجال لا يعتقد المتابعون من واشنطن أنفسهم أن بوتين سيكون "أرعن" كفاية لبدء حرب مع تركيا ومن خلالها مع حلف شمال الأطلسي. فتهديداته الكبيرة والقوية هي للاستهلاك المحلي. وسببها اسقاط تركيا طائرة عسكرية له خرقت أجواءها وعلاقتها "بداعش" في رأيه. علماً أن طائراته الحربية تخترق المجال الجوي التركي في استمرار. لكن متابعي رئيس تركيا أردوغان من العرب يتساءلون اذا كانت "شعبويته" ونزقه سيدفعانه الى الاصطدام بروسيا من دون تقدير العواقب، أو أن الزمن سيهدئه ونظيره الروسي رغم استمرار توتر العلاقة بينهما. والاحتمال الآخر يصبح قوياً اذا توقف بوتين عن ممارسة سياسة الانتقام، وعن استهداف "التركمان" في سوريا وهم "أقرباء" الشعب التركي، وعن دعم الأكراد وخصوصاً السوريين منهم. واذا لم يحصل ذلك ومارس أردوغان الانتقام أو ردَّ عليه بمثله سواء باسقاط طائرات روسية تخرق المجال الجوي لبلاده أو اذا أعلن وحده من دون تشاور مع حلفائه في "حلف شمال الأطلسي" منطقة حظر طيران في شمال سوريا فان العالم سيقف أمام أزمة بالغة الخطورة. فهل يتدخل "الحلف" حماية لتركيا العضو فيه، أم يحجم عن ذلك؟ والأجوبة عن السؤالين متناقضة. فمسؤولون أميركيون كبار سابقون يستبعدون تدخلاً عسكرياً أميركياً وأطلسياً ضد روسيا في سوريا، ولا يستبعدونه اذا استهدف اعتداء روسيا على أوكرانيا أو دول البلطيق في أوروبا. في حين يعتقد آخرون أن كرامة أميركا والثقة بها، في حال الاحجام عن مساعدة الحليف ضد دولة تتحداها وضد رئيسها الذي يتعمّد افقاد رئيسها صدقيته أمام العالم، ستصبحان في الحضيض.