«أنا قصتي قصّة»، قصّة امرأة أطلَّت لتقول إنّ إنهاءَ العنف ضدّها ممكن. فالجمعيات موجودة وقانون حمايتها بات متوافراً، ولا ينقص المرأة سوى الإرادة والعزم على كسر صمتِها للخروج من دوّامة العنف التي تأسرُها وتنتهك كرامتَها وحقّها في الحياة. ثلاث إعلاميات أطلَلنَ في حملة جمعية «أبعاد» منتحِلاتٍ شخصيات نساء غَلبنَ العنف، تَخلّصنَ منه وانطلقنَ نحو حياة جديدة، ليشجّعنَ كلّ امرأة معنَّفة وقابعة في منزلها الزوجي وسط الخوف واليأس، على تحرير نفسها.سَمر أبو خليل، ديانا فاخوري، وريمي درباس سليمان هنّ في الحقيقة زينة، هلا، وسارة. انتشرت صورُهنّ على اللوحات الإعلانية العملاقة على الطرقات حاملةً رسالة واضحة: «إنهاء العنف ممكن». وفي حديث لـ«الجمهورية» روَينَ قصّة المرأة اللبنانية والعنف والقوانين المجحِفة.  

  مجتمع مُخطئ   تؤكّد الإعلامية ريمي درباس سليمان لـ«الجمهورية» أنّ «مجتمعَنا ذكوري يرَبّي الرجل منذ الصغَر على أنّه أهمّ من المرأة، وتتبلوَر هذه الفكرة في رأسه لا شعوريّاً مدعومةً بتفكير الأهل وتربيتهم الخاطئة، حتّى يَعتبر نفسَه الملك في البيت والقادر على فعل أيّ شيء».   وتَعترف: «أنا أمّ لابنتين ولم أفضّل يوماً أن أُرزَق بصبيّ بدلَ إحدى بناتي، فأنا وزوجي لا نميّز بين البنت والصبي، بينما نرى أنّ عائلات كثيرة ما زالت تعتقد أنّ الصبيّ هو أساس البيت».   يتمتّع الرجل بطبيعته ببُنيةٍ جسَدية أقوى من المرأة، ما يسَهّل عليه ضربَها وأذيَّتها. ويحَتّم ذلك ضرورة أن يتربّى الرجل على النُبل في الأخلاق، ما يَردعه عن أذِيّة كائنٍ أضعف منه. ويجب أن تترافق تربيتُه على احترام المرأة وحِفظ حقّها بالمساواة، مع سعي المجتمع إلى وضع قوانين وإنشاء حملات توعية تُعرّف الرجل والمرأة على حقوقهما وواجباتهما في المنظومة الاجتماعية، وإلّا تتحوّل البيوت إلى أوكار للعنف والمآسي.   في هذا الإطار توضح الإعلامية ديانا فاخوري لـ«الجمهورية»: «في ظلّ التطوّر الذي نعيشه، والحضور القوي للمرأة، أكانَ في المجال السياسي أو الاجتماعي، ما زالَ في لبنان نساءٌ ضعيفات، معنَّفات، ويَقبلنَ بذلك غير متمكّنات من التغلّب على هذه المشكلة، ومن هنا حاجتُنا إلى مزيد من التوعية».     حقوقها وواجباتها   بدورها، ترى الإعلامية سمر أبو خليل في حديثها

لـ»الجمهورية» أنّ «النساء اللبنانيات ما زلنَ بحاجة للتوعية، فالقِسم الأعظم منهنّ يعرف واجباته ولكن لا يدرك حقوقه. لذا يجب العمل على المرأة لتعرفَ حقوقها ومكانتها وقيمتها»، وتشَدّد على أنّ «ذلك يخفّف العنف ضدّها». وتشير إلى أنّ «العنف لا يميّز بين امرأة وأخرى. فهناك نساء متعلّمات وحتّى دكاترة في الجامعات يتعرّضن للعنف».   وتلفت إلى أنّ وصول المرأة لأعلى المراتب أو نَيلُها شهادة دكتوراه «لا يعني أنّها واعية على كلّ حقوقها، فنحن نعاني من نقصٍ مركزي في موضوع توعية النساء حول ما يتعلّق بحقوقهنّ وأمورهنّ الخاصة».   وتشدّد أبو خليل على أهمّية سَنِّ القوانين الداعمة لحقّ المرأة، فتشير إلى أنّه «عِلماً أنّ القوانين في لبنان لا تنفَّذ وتُنسَى في الأدراج أو تُخرَق بالوساطات، ولكن مجرّد وجودها يشكّل سَنداً قانونياً، فوضعُ قانون لن يمنعَ رجلاً من ضرب امرأة، إنّما وجود سَنَد قانوني تعتمد عليه لدى قيامها بأيّ تحرّك يُعتبَر مهمّاً».   وتطرّقَت ديانا فاخوري أيضاً إلى القوانين المجحِفة، لتعتبرَها سبباً في إضعاف موقف المرأة، «ففي مقارنة مع أوروبا وأميركا أو أيّ دولة متحضّرة، نلاحظ أنّ القانون يُنصِف المرأة ويقف إلى جانبها، أمّا في المجتمع الشرقي وفي لبنان فتشجّع القوانين المجحفة بحقّها والداعمة للرجل على استغلالها والتمادي بتطاوله عليها».     أنا معنَّفة!   سألنا الإعلاميات الثلاث إنْ كنَّ يَعتقدن أنّ النساء المعنّفات اللواتي اقتبَسنَ أدوارَهنّ في حملة جمعية «أبعاد» ممكن أن يكنّ هنّ فِعلاً. وتؤكّد ديانا فاخوري: «أنا طبعاً لا أرى نفسي معنَّفة، ولا أسمح لأيّ رَجل بأن يفكّر بتعنيفي، وأتمنّى أن تقتنعَ كلّ امرأة بأنّ هَلا المعنّفة لا يجب أن تولد».   وتضيف: «يستغلّ الرَجل ضعفَ المرأة عندما لا تَعمل، وتعيش لأولادها، وتأخذ مصروفَها منه، ما يُشعِره دائماً بسلطة عليها، فيَعتقد أنّ بإمكانه أن يكون شرساً معها ويعنّفها، أمّا كَونُ المرأة عاملةً وفاعلة في المجتمع وقوية، فهذا يساعدها في حماية نفسها من العنف».   من جانبها، تَعتبر ريمي درباس أنّ « العنف موجود والعِلم والثقافة لا يَردعان الرَجل المعنِّف عن ضرب المرأة وأذيتِها، فعلى رغم وصول المرأة في أيّامنا إلى حصدِ العِلم وتبَوُّءِ المناصب في العمل، إلّا أنّ ذلك لا يشكّل رادعاً أمام الرجل الذي يَعتبر نفسَه متقدّماً عليها».   وتؤكّد درباس أنّ «المشكلة الأساسية هي بكسرِ المرأة لصمتِها، فالنساء اللواتي يَعترفن بأنّهن معنّفات ويتمكّنّ من تخطّي العنف وبدء حياة جديدة، قلائل».

وتوضح أنّ «القانون موجود ولكنْ يجب أن تتمتّع المرأة بالجرأة لتقرّر أن تلتجئ إلى الجمعية وتروي ما يحدث معها، حتى يتمكّنَ القانون من حمايتها».   وتشَدّد على وجود العديد من النساء المعنَّفات اللواتي يخَفن من البَوح بهذا العنف ومن إخراج قصَصهنّ خارج أسوار بيوتهنّ».

وتضيف: «طبعاً للقانونِ ودَورِ الجمعيات أهمّيةٌ كبيرة، ولكنّ المرأة تخاف من المجتمع الذكوري الموجود في الخارج».   وأجمعَت الإعلاميات الثلاث على أنّ «المرأة وحدَها من تُنقِذ نفسَها من العنف».

وتؤكّد أبو خليل أنّ «المرأة تنقِذ نفسها عندما تتحرّر من عملية المساومة»، وتنقل أنّ النساء يُقنعن أنفسَهن بتحمّل العنف وبالبقاء في البيت الزوجي من أجل الأولاد، وتقول لهؤلاء: «نعم الأولاد مهمّون جدّاً، إنّما لا يمكن لهم أن يعيشوا في واقع تُضرَب فيه أمّهم دائماً وتُهان، فسكوت الأمّ عن العنف الزوجي الممارَس ضدّها يجعلها تَبني بيتاً مدمَّراً وتربّي أطفالها على الذلّ والعنف والخضوع»، مضيفةً: «ومِن الأفضل في هذه الحال أن يعيش الأولاد مع أبوَين منفصلين ولكنْ يتعاملان مع بعضهما بنوع من الرقيّ». وتَلفت سمر إلى واقع مرير وهو أنّ «الآباء قد يستغلّون أولادَهم أو يستعملونهم وسيلةً ليقهروا زوجاتهم في حالات النزاع».

  وتَعتبر ديانا فاخوري من جهتها بأنّه «يجب أن تتمتّع المرأة بالإرادة وبقوّة الشخصية وبالقرار الحاسم والصارم وبالثقافة اللازمة حتّى تتمكّن من وضع حدّ للعنف».   وتقول: «لا أحد يساعد المرأة إلّا نفسها بدايةً، وبَعدها وجود الجمعيات التي تَفتح لها مجالَ الاتصال لطلب الدعم، فتمدّ لها يدَ العون». وتُهنّئ «هلا الموجودة في الإعلانات لأنّها تمكَّنت من تغيير واقعها وتخلّصَت من الحيوان الذي يعيش داخل زوجها».

وتؤكّد: «إنهاء العنف بات ممكناً من خلال أشخاص يدعمونكِ، فلا تقِيمي حساباً في حياتك لرَجل يعنّفك، لا يمكن لامرأة أن تعيش مع رَجل يحبّ العنف».       رسالتي للمعنّفة   تدعو أبو خليل بدورها «زينة» المعنَّفة إلى أن تتمتّع بالقوّة قدر المستطاع وإلى المواجهة، «فلن تكون المواجهة أصعب من الواقع العنفي الذي تعيش فيه».   وتقول لها: «لا تساوِمي على نفسك وعلى كرامتك، لأنّك بذلك تخسرين كلّ شيء، ولا تعتقدي بأنّ تضحيتك بنفسك وتحمُّلَك العنفَ من أجل بيتك وأولادك مفيد، لأنك ستؤسّسين بذلك لبيتٍ مدمّر وتُربّين أولاداً يستسهِلون حياة الذل».  

وتنصَح زينة أيضاً بأن «تدير الأذن الصمّاء لكلام الناس والمجتمع». «فالمهمّ ماذا ستقولين عن نفسِك عندما تنظرين إلى المرآة، فهل تشعرين بأنّك بَلهاء ومدمّرة ولا تدركين التصرّف وتستحقين ما يحلّ بكِ؟ أو تنظرين إلى نفسِك بفخر لأنك واجهتِ ووضعتِ حدّاً ومنعتِ أن يمسّ أحدٌ كرامتك».   وتَعتبر أبو خليل أنّ زينة التي تريد كسرَ صمتِها وكسرَ العنفِ ضدّها لا تحتاج إلى العِلم، «الكرامة لا تُدرَّس، وحتّى لو كانت المرأة أمّية فإنّ كرامتَها خطّ أحمر، وهي ليست بحاجة لدرسِها في الكتب، لأنّها تنبَع من كيانها.   وإذا كنتِ تتمتّعين بعزّة النفس فإنّكِ تتمسّكين لا شعورياً بكرامتك وتحافظين عليها».