يصِل بابا نويل المنتظر، وينفجرُ صغيرُكِ بكاءً خوفاً من هذا الرجل الغريب. فبدل الاستمتاع بهذه اللحظات التي حضّرتِ لها لإبهاجه، يُحوّلها إلى «درامية»، وكأنّ الرعبَ يسيطر عليه. فلا يفرح باستلامه الهدايا التي انتقيتِها بإتقان سعياً لرسم ابتسامة على وجهه الصغير في هذه الليلة المميّزة. يُعبّر عدد كبير من الأطفال بالبكاء والصراخ عن رفضِهم الاقترابَ من بابا نويل. ردّةُ الفعل هذه تصيب عادةً الأطفال ما دون السنوات الخمس والذين ما زالوا عاجزين عن التمييز بين الأشخاص الذين من الواقع وبين الشخصيات الخيالية. وبحسب علماء النفس قد تكون ردّة الفعل هذه طبيعية، كما يمكن أن تخَبّئ مشاكل نفسية يعاني منها الطفل.

لماذا يُخيف بابا نويل الأطفال؟

هل مظهر هذا الجَدّ الملتحي هو ما يخيفهم؟ فربّما لا يطمئنّون لوجهه المخبّأ وراء لحيته الكبيرة، ولصَوته الضخم الذي يُرهبهم، ولبَطنه المنتفخ وبذلتِه الحمراء، ما يجعلهم يتأثّرون سلبياً به ويقارنونه بالغول.

من المهمّ أن نفهم أنّ بعض الأطفال يخافون بطبيعتهم ويخشون أيّ تغيير يُخرجهم من الروتين ويَضعهم أمام أيّ جديد. وبما أنّ بابا نويل شخصية تعود مرّةً واحدة كلّ عام فهو قد يتمكّن كلّ مرّة من إقلاقهم، حتّى سنّ السنوات السِت تقريباً.

ولكنْ تَعتقد عالمة النفس والطبيبة النفسانية باتريسيا شالون، وهي مؤلِفة كتاب «Les peurs de l’enfant» أنّ أكثر ما يزعج الأطفال في فكرة بابا نويل هو كونه هذا الرجل الذي يدلّل البعض ويُقصي البعض الآخر لأسباب مرتبطة بسلوكهم. فما يُخبره الأهل لأطفالهم عن بابا نويل حاسم لناحية تنميةِ شعورهم بعدمِ الارتياح تجاهه، خصوصاً إذا ما شرَعوا بوَصفه كشخص سيّئ تركَ ذكريات غير مفرحة في أنفسِهم.

أضِف إلى أنّ العديد من الآباء والأمّهات يستخدمون شخصية بابا نويل ليهدّدوا أطفالهم ويعاقبوهم: «إذا لم تكن لطيفاً ورصيناً، سانتا لن يجلب لك الهدايا». من الصعب في هذا السياق أن يُكوّن الطفل صورةً إيجابية عن هذه الشخص، وبالتالي من الطبيعي أن يصعب عليه تقبّله.

كيف نتصرّف عندما يخاف الطفل؟

لا يجب أن يقلّل الأهل من أهمّية تعبير الطفل عن خوفه من بابا نويل، بل أن يتحدّثوا معه بداية عن هذا الرَجل الغامض. كما لا يجب أن يَغضبوا بسبب عدم تقبُّله لهذا الشخص الغريب أو يقولوا له بأنّه جبان مثلاً أو لا يزال صغيراً جدّاً، كما لا يجب أن يشعر الطفل بخيبة أملِ الأهل بسبب خوفه.

وفي المقابل لا يحاول الأهل حمايته من بابا نويل لأنّ ذلك سيثبت له أنّ خوفَه محِقّ بأنّ الرجل المرتدي الثيابَ البيضاء والحمراء يهدّد سلامته فعلاً. أفضلُ طريقة للتصرّف هي بإظهار تفَهّم الأهل لخوف الطفل. إشرحي له مثلاً أنّك أيضاً عانيتِ من هذا الخوف في طفولتك.

ولا تصِرّي عليه للاقتراب من سانتا، بل أطلبي منه أن يلزمَ مكانَه فترةً حتّى تتسنّى له رؤية الأطفال الآخرين يقتربون من «هذا الغريب» دون أن يؤذيَهم. وبهذه الطريقة تحترمين توازنَ الطفل وراحتَه وتمنحينه الفرصة ليلاحظ بنفسه أنّ الوضع ليس بالخطورة التي يَعتقدها.

وعندما يهدأ الطفل ويشعر بمزيد من الارتياح أطلبي منه التقرّب أكثر من بابا نويل أو بادري أنتِ بالاقتراب والتحدّث مع سانتا.

فإذا استمرّ طفلك بالتعبير عن الخوف، واقتصر ذلك على عدم رغبته برؤية بابا نويل أو الاقتراب منه، ينصَحك علماء النفس بعدم القلق، لأنّ خوفه قد يتبدّد بعد تحدّثك بهدوء إليه أو بعد رؤيته لسانتا عدّة مرات متتالية.

حاولي أن تَجعلي طفلك في هذه الحالة يلتقي بابا نويل أكثر من مرّة، لأنّ تعرّضَه للقائه مراراً يساعده في ضبط خوفه. وأخبِريه عن بابا نويل بوصفِه حالةً أسطورية جميلة. وإذا لم يتمكّن الطفل من تخطّي هذا القلق بسهولة فلا تقلقي أنتِ بدورك، لأنّه سيَجد العديد من الأشياء والمواقف المفرحة في العيد.

إنتبهي لردّة فعله

في المقابل إذا تخَطّت ردود أفعال الطفل تجاه «سانتا كلوز» الحدودَ المقبولة، فعبَّرَ عن انهيار عصبيّ لدى رؤيته إياه أو سماعه صوته مثلاً، عليكِ أن تتنبَّهي، لأنّ هذا الخوف قد يخفي مشكلةً معيّنة يعاني منها طفلك، مثل شعوره بالصدمة والخوف الزائد جرّاء حدثٍ مرَّ في حياته.

ولا ينبغي أن يشعر الطفل بالقلق من فكرة أنّ سانتا يَدخل إلى بيته في الليل سرّاً لوضعِ الهدايا تحت الشجرة، إلّا إذا كان يعاني من الشعور بانعدام الأمان.

وينتج ذلك ربّما بسبب سَرقة سابقة لمنزلكم لا يزال طفلكِ متأثّراً بها، أو بسبب مضايقات يتعرّض لها في المدرسة. في هذه الحال، لا تتردّدي في استشارة طبيب نفسي.