لم يفقد الرئيس الإيراني السابق الدكتور محمد خاتمي حيويته وروحه الحوارية كمثقف منفتح على أفكار الآخرين... بل إن سمات المثقف ـ صاحب الرأي والموقف المتميز تغلب على صورة «رجل الحكم» في دولة محددة المسار وخط السير باسمها الذي لا يقبل الالتباس:
«الجمهورية الإسلامية في إيران».
هنا شذرات من آراء الرئيس السابق سمعناها منه خلال لقاء معه بين صلاة الظهر وصلاة العصر، ووسط مجموعة ممن ما زالوا يترددون عليه ليسمعوا منه منطق الثورة الإسلامية وإنما بصياغة مختلفة.
أجرى الحوار في طهران: طلال سلمان وفايز عجور
قال الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي:
ـ اعتبر أن وضع المنطقة ليس جيداً، ونحن كمجموعة كانت لدينا بعض الأخطاء.. ونعتقد أن بذور الخلافات قد رويت في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش وترعرعت في المنطقة.
عندما طرحتُ موضوع حوار الحضارات (في أيلول العام 1997 خلال كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة) كنت على يقين بأن المنظومة التي تحكم البشر تزرع الشر، وكانت لدينا حروب إقليمية وحرب باردة. وقد رأينا ما حصل في نهاية القرن الماضي في المنطقة والعالم، وهو أمر يكشف بوضوح وقوة بأن المنظومة التي تحكم العالم خاطئة ويجب أن تتغير. وكنت أريد تغييرها عبر حوار الحضارات. لقد قلتُ وقتها إن زعزعة الأمن والاستقرار تهدد العالم. والسبب الرئيسي في عدم الاستقرار هو وجود تيارات ترفض الأخرى.
لم يفقد الرئيس السابق حيويته في الدفاع عن الحرية، وهكذا أضاف:
ـ لقد طرحت أمام الأمم المتحدة موضوع ائتلاف السلام في العالم على أساس العدالة، أما الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الإبن فقد قال: مَن ليس معنا فهو ضدنا! وبهذا المنطق فرضت القيود والحصار علينا لمدة ثلاثة عقود، وهو ما حصل مع أفغانستان. كما أن زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن كان لديه المنطق ذاته، حيث قال مَن ليس معنا فهو ضدنا. وقد شهدنا انهيار أبراج التجارة العالمية وكل الويلات في العالم... أنا كإنسان مسلم ليس من حقي القول إن على العالم أن يتبعني أو أحاربه، وهو أمر ينطبق على عدوي. وحوار الحضارات كان محاولة لإيجاد حل لهذا الأمر. كما كانت هناك مشكلات معقدة في منطقتنا، حيث توجد حكومات عميلة للخارج الذي يتدخل لدعم الأنظمة التابعة له، وضمنها قيام كيان غاصب ومحتل (إسرائيل)... ومن جهة ثانية، كانت الحركات الرجعية تنمو وتزدهر.
واستنتج الرئيس السابق الذي يقرأ كثيراً، متابعاً حركة الأفكار في العالم:
ـ علينا إعادة النظر في طريقة حياتنا، ويجب على العالم أن يغير نظرته أيضاً. وأعتقد أن الآفة التي تهدد البشر هي عدم وجود أمن، كما أننا معرضون للتهديد أيضاً، وليس أمامنا من سبيل سوى أن تجتمع بلدان المنطقة على مكافحة التيارات الإرهابية، لكننا متخاصمون مع بعضنا البعض والعدو يستغل هذه الحال ويزيد الخلافات بيننا.
إن الأوضاع الحالية تؤدي إلى تضرر مصالح المنطقة، والفائز الأول هو الكيان الصهيوني والغرب. وللأسف فإن قوى السلطة في العالم تحارب بإمكاناتنا وطاقاتنا، وهم يجعلون منا وقوداً عبر محاربة بعضنا البعض، بينما نحن لا نجلس سوياً لحل الخلافات عبر المنطق.
أضاف الدكتور ـ العلامة:
ـ عندما يتمكن عَدُوَّان لدودان، مثل أميركا وإيران، من الجلوس وحل الخلافات، فلماذا لا نستطيع نحن أبناء المنطقة حل خلافاتنا؟! إن الكيان الصهيوني يستثمر هذا الأمر، كما ان التيارات المتطرفة، التي تعود إلى العقود السابقة، تستثمر هذا الأمر. وأنا أشعر بالأسف لتبدل الربيع العربي إلى خريف. لقد أراد الجميع الازدهار والديموقراطية والعدالة، ولكن سرعان ما تكاتفت القوى ضده. والبلد الوحيد الذي استطاع استثمار الوضع هو تونس.
وسألنا الرئيس السابق:
{ هل تخاف على إيران بعد الاتفاق النووي؟
وأجاب بسرعة وبحسم:
÷ لا. إن شاء الله ستحل الأمور بشكل مناسب، لكن يجب أن نكون متيقظين. ربما يريد المنافسون لنا القيام ببعض الألاعيب، ولكن تنفيذ الاتفاق يؤمن مصالح الجميع، وآمل أن يخرج الجميع راضين ومستفيدين من نتائجه.
{ ما هو تأثير الاتفاق على المجتمع المدني، خاصة أن هناك تياراً يريد السير مع الغرب؟
وأجاب الرئيس السابق الذي رآه البعض «ليبرالياً»، وشنوا عليه حملات إعلامية:
÷ يجب أن نتقبل فكرة أن الحظر خلق مشكلات، وعلى أي حال، فإن الضرر الأكبر من الحظر هو عدم وجود سياسة حكومية لما بعد رفعه... لكني أعتقد أن الحركة والنشاط سيشهدان ازدهاراً كبيراً، لكن ذلك يرتبط بالبرامج التي ستقدمها الحكومة. قد تظهر بعض المشاكل الداخلية، لكن لا سبيل لحلها إلا بالحوار واحترام مبادئ الديموقراطية.
لقد واجهنا، على فترات طويلة، فقداناً للأمن وزعزعة له مِن قِبَل الخارج، وشاهدتم أمثالاً في الحرب مع العراق، ومن بعد ذلك التيارات التكفيرية. واستناداً إلى الدستور، فإنه لا يجوز أن نفرّط بالحرية مقابل الأمن والعكس صحيح. وإذا لم تكن هناك تدخلات من الخارج، فإن بإمكاننا التحاور في الداخل لحل كل المشكلات.
وختم الرئيس السابق الذي ما زال يثقف نفسه مميزاً نفسه عن حملة الأفكار الثابتة:
ـ أعتقد أن تطبيق الاتفاق النووي سيؤثر في ازدهار إيران، وإن شاء الله يكون تأثيره جيداً في الانتخابات (شباط المقبل). إن انتخاب روحاني رئيساً يدل على وعي شعبنا، وإن شاء الله ستكون انتخابات البرلمان جيدة.