دخلت التسوية الرئاسية مدارَ التجاذبات الإقليمية والدَولية بعدما تدحرجت المواقف منها كـ»كرة الثلج» استدعت نفياً لوزير الخارجية عادل الجبير عبر «الجمهورية» لأيّ تفاهم مع طهران التي قالت كلمتها لمَن يعنيهم الأمر بأنها مرفوضة. في وقتٍ تبرّأ بعض اطراف الداخل من مبادرة الرئيس سعد الحريري ما أدخلها في كهفٍ عميقٍ ومظلم. فما الذي أدّى الى هذه القراءة؟ ما كان متوقَعاً هو أن تُطوى أو تُجمّد مبادرة الرئيس سعد الحريري بشأن ترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية في الداخل اللبناني، بعدما اصطدمت بعوائق عالية السقوف، لكن ما كان مفاجِئاً أن تأتي ردات الفعل الخارجية الإقليمية والدَولية لتنزع عنها أيّة رعاية من هذا النوع ولو جاءت متأخرة بعض الشيء.

تنطلق المراجع الديبلوماسية المعنية في قراءتها لهذه المعادَلة بوجهَيها الداخلي والإقليمي من سلسلة وقائع تلاحقت في الساعات الماضية وتُوِّجت بالتصريح الذي أدلى به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لصحيفة «الجمهورية» ليُسدل الستارة الإقليمية والدَولية التي قيل إنها ترعاها ولا بدّ من أن تقودها الى الخواتيم التي أرادها لها مطلقوها، أيّاً كانت العقبات اللبنانية الداخلية والتي لا بدّ لأطرافها من أن ترضخ للإرادة الدولية والإقليمية بشكل من الأشكال.

وتوقفت المراجع عينها أمام صراحة الجبير الذي نفى وجودَ أيّ تفاهم مع طهران بشأن التسوية الرئاسية بكلماتٍ قليلة جاء فيها: «كيف يمكن أن يحصل مثل هذا الاتفاق إذا كان اللقاء على هامش اجتماعات فيينا لم يدُم سوى دقائق»، كاشفاً «أنْ لا تفاهمَ ولا صفقة مع إيران، وأنّ الخلاف مستمرّ معها ما دامت تتدخّل في شؤون المنطقة وتدعم الإرهاب».

ولفتت المراجع إلى أنّ الموقف السعودي لا يحمل أيّ مفاجآت وله ما يبرّره. فالمواجهة بين الرياض وطهران في ذروتها وعلى مختلف الساحات الملتهبة من اليمن الى العراق وسوريا فلبنان، وليس هناك في الأفق ما يوحي بإمكان الوصول الى أيّ تفاهم بين الطرفين، ولعلّ في سلسلة مقرّرات مؤتمر المعارضة السورية الذي عُقد في الرياض ما يوحي بأنّ المواجهة مفتوحة على شتّى الإحتمالات السلبية التي تنبئ بمزيدٍ من التوتر في ميزان العلاقات بينهما، وهو ما سينعكس بالمعايير ذاتها على الحلفاء في مختلف هذه الساحات، ولبنان واحد منها.
                                                                  
ومن هذه الخلفيات يمكن بداية فهم الرفض الذي يبديه «حزب الله» للمبادرة - التسوية على رغم علاقته المميَّزة مع فرنجية والذي على ما يبدو بدأ يتّسع ليشمل حلفاء السعودية والحريري في لبنان، بدليل بداية تنصل رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط من هذه التسوية لمحو آثار إستعجاله للإقلاع بها واضعاً إمكاناته في تصرّفها وساعياً الى البتّ بها بالسرعة القصوى التي كان يريد أن يترجمها بسحب ترشيح مرشّحه لرئاسة الجمهورية النائب هنري حلو في الأيام الأولى للمبادرة مع ممارسته أشدّ الضغوط في كلّ الإتجاهات لعله ينجح في تكريسها أمراً واقعاً.

وما زاد الطين بلة انضمام الرئيس نبيه بري الى موقف جنبلاط، فأبلغ الحريري ومَن يعنيهم الأمر قبل أيام معدودة أنه سيتوقف عن المشارَكة بنواب كتلته النيابية في جلسات انتخاب الرئيس كما فعل منذ 31 جلسة انتخابية ما لم يكن نواب «حزب الله» الى جانبهم داخل القاعة العامة.

وربطت المراجع بين موقف برّي المستجدّ وما تبلّغه من وزير المال علي حسن خليل في لقاء جمعه بأحد أبرز المسؤولين الإيرانيين المعنيين بالملف اللبناني علي لاريجاني في طهران على هامش مشاركته في مؤتمر مالي واستثماري منذ أيام قاده الى مسافة بعيدة من التسوية ورفضه تلبية الدعوة السعودية التي تلقاها من رئيس مجلس الشورى أيضاً لزيارة الرياض.

وتقول المعلومات المتبادَلة على نطاق ضيّق إنّ النفي الإيراني لأيّ علاقة بالمبادرة يوازي الرفض السعودي ويفيض عنه بكثير، فالساحة اللبنانية واحدة من ساحات المواجهة مع الرياض لكنها سياسية بامتياز وإنّ كلّ القراءات الإيرانية لما تعيشه المنطقة ولا سيما سوريا واليمن تدفعها الى مزيدٍ من التشدّد مع الرياض.

وهم يتباهون بأنّ انصارهم اليمنيين اقتربوا من وضع اليد على ثلاث محافظات سعودية بدلاً من أن تستأصلهم السعودية من مناطق نفوذهم اليمنية وأنّ ذراعهم الإقليمية الكبرى في سوريا أيْ «حزب الله» لم تنكسر ولو لم يحقق بعد ما أراده من الأزمة السورية.

وعلى هذه القواعد تبني المراجع الديبلوماسية قراءتها لمصير الإستحقاق على رغم الحراك الديبلوماسي الأميركي والروسي والفرنسي، فترى أنه دخل في خضمّ التجاذبات الإقليمية مجدّداً وأنّ محاولة النفاذ بالإستحقاق الرئاسي قد فشلت بكلّ المقاييس ولا بدّ أن تنكفئ الموجة التي رافقت كلَّ ذلك الى أمد غير منظور يتعدّى عطلة الأعياد وبداية الأشهر الأولى من العام المقبل، الى أن يأتي الله بما يمكن أن يؤدّي الى إعادة طرح الموضوع من دون تحديد أيّّ مواعيد.

 

 

بقلم:جورج شاهين