أكدت مصادر مطلعة لـ "الأخبار" أن السفير الأميركي السابق ديفيد هيل هو "صاحب براءة الاختراع" في ترشيح زعيم بنشعي. هيل كان في فترة من الفترات متحمّساً لترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، وهو زار الرياض لهذه الغاية قبل وفاة ملكها السابق عبدالله بن عبد العزيز، وحاول تسويق الأمر لدى السعوديين. وترافق ذلك مع "تركيب" لقاء باريس بين الرئيس سعد الحريري وعون والحوارات التي تلته على مدى شهور بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري.

توطّدت العلاقة بين الطرفين الى حدّ توجيه دعوة لعون ــ كاد يلبّيها قبل أن يعدل في اللحظات الأخيرة ــ لحضور احتفال ذكرى 14 شباط الماضي، بعدما أُبلغ بأن الحريري سيحضره شخصياً. إلا أن أوضاع المنطقة لم تكن قد نضجت بعد، ولم تكن الرياض في صدد إعطاء "مكافأة" لحزب الله الذي تقاتله في سوريا. فرفعت البطاقة الحمراء في وجه جنرال الرابية، وعادت الأمور الى النقطة الصفر: عون مرفوض، فرص جعجع معدومة، الرئيس أمين الجميل وفرنجية ليسا في الصورة.

عاود هيل البحث. بعد مشاورات مع مختلف القوى السياسية وصل الى اقتناع بأن لا إمكانية لإزاحة عون إلا... بفرنجية. لن يكون في مقدور "حزب الله" رفض عرض مغرٍ كهذا، فضلاً عن أن موقفه من اتفاق الطائف يلبّي مطلباً سعودياً أساسياً بعدم المس بهذا الاتفاق الذي أعطى صلاحيات مطلقة لحلفائها. طرح الفكرة على النائب وليدد جنبلاط الذي وزنها جيداً: ما قد نقدمه اليوم قد نكون مضطرين إلى تقديم أكثر منه مستقبلاً مع تغيّر الوضع في سوريا. بهذا، نكسر عون ونحرج حزب الله ونعيد البلد الى السكة التي خرج عنها عام 2005.

أُرسلت أولى الاشارات الى فرنجية فأبدى تجاوباً. في 29 تشرين الأول، التقى الأخير مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار في طرابلس. أثناء اللقاء، تلقّى الشعار اتصالاً من الحريري. طلب الأخير تمرير الهاتف لفرنجية، وتحدثا لنحو ساعة في ضرورة إخراج البلاد من مأزقها، وطرح عليه فكرة ترشيحه، وتم الاتفاق مبدئياً على اللقاء في باريس.

اتصل فرنجية بدمشق التي استغربت الطرح الحريري الذي لا يمكن إلا أن يكون بدعم سعودي، واقترحت عليه مراجعة السيد حسن نصرالله. تواصل فرنجية مع أحد المسؤولين الرفيعين في الحزب، فطُرحت تساؤلات حول أهداف الطرح، بما فيها المناورة أو محاولة شق الصف. وفي النهاية كانت النصيحة: افعل ما تراه مناسباً... ليتوجّه بعدها الى العاصمة الفرنسية.

في لقائه مع الحريري، سمع فرنجية تأكيداً بأن طرحه يحظى بموافقة سعودية "على أرفع مستوى". وأكّد له أن الرياض مستعدة لاستقباله فوراً للبحث في الأمر، فيما فضّل الأخير التريّث. وتطرّق البحث الى مختلف المواضيع، لكن المصادر تؤكّد أن فرنجية لم يتعهّد بأي قانون انتخاب، رغم أنه لا يخفي تأييده لقانون الستين، وأن الاتفاق تم على أن القانون ينبغي أن يرضي الجميع. إلا أن أهم ما طلبه الحريري بوضوح: بغض النظر عن قانون الانتخاب، مقابل رئاستك لست سنوات، أكون رئيساً لكل حكومات العهد، مع ضمانة من حزب الله بعدم إسقاط حكومتي. لم يعطِ فرنجية أيّ تعهدات، وانتهى اللقاء باتفاق على أن يشتغل كل منهما على فريقه.