تؤكد المعلومات المتداولة أن رئاسة مجلس الوزراء حسمت خيارها لجهة اعتماد خيار ترحيل النفايات إلى الخارج، باعتباره الحل الوحيد المتوافر، رغم كلفته المرتفعة والعقبات القانونية والتقنية التي تواجهه.


وبعدما سدت الأفق أمام إمكانية إنشاء مطامر صحية في أي منطقة لبنانية، تفيد المعلومات بأن أكثر من صوت مؤيد لخيار الترحيل برز في عين التينة أمس، بدءاً بالرئيس فؤاد السنيورة والنائبين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية، فيما تؤكد المعلومات أن الرئيس بري لا يعترض على هذا الخيار، لكنه طالب بضمانات كافية لنجاعته وإمكانية تطبيقه. أما حزب الله والتيار الوطني الحر، فلم يعلنا موقفاً حاسماً، في انتظار طرح الموضوع على جدول أعمال مجلس الوزراء.
بعيداً عن الطروحات السياسية المتعلقة بخيار الترحيل، ما مدى واقعية هذا الخيار وإمكانية تطبيقه؟

معلوم أن هذا الخيار طرحه وزير البيئة محمد المشنوق قبل ستة أشهر كواحد من الخيارات البديلة بعد إغلاق مطمر الناعمة، لكنه سقط أثناء المداولات في مجلس الوزراء، خصوصاً أن العروض التي تلقتها وزارة البيئة لم تكن جدية، بل اقتراحات تعاون من شركات طرحت ترحيل النفايات إلى المغرب وتركيا ودول أوروبية مثل ألمانيا والسويد ولاتفيا وأوكرانيا، ليتبين لاحقاً أن معايير الاتحاد الأوروبي لا تسمح باستيراد نفايات غير مفرزة ومعالجة.

خيار الترحيل عاد بقوة، بالتزامن مع فشل خيار إنشاء مطامر صحية خلال الأسابيع الماضية، وتنصل القوى السياسية من التزاماتها بإقناع القرى المحيطة بالمواقع المقترحة بهذا الخيار. وبحسب معلومات، فإن رئاسة الحكومة أجرت مشاورات موسعة شملت الحكومة المصرية والتركية. وقد أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سلام أن لا إمكانية لترحيل النفايات إلى بلاده، مبدياً استعداده لتقديم معونة فنية وهبات عينية مثل الشاحنات، لكن خيار الترحيل إلى تركيا ليس وارداً. في المقابل، نشطت حركة الشركات التي قدمت عروضاً جدية لترحيل النفايات إلى الخارج، سواء إلى سوريا، حيث يواجه هذا الخيار عقبة سياسية تتمثل بتقديم الحكومة طلباً رسمياً إلى السلطات السورية بهذا الشأن، أو إلى غيرها من الدول، وتحديداً قبرص التركية وأوكرانيا ولاتفيا.

وفيما ترددت معلومات عن أن وفداً رسمياً يضم وزير البيئة الأوكراني سيزور لبنان قريباً لبحث خيار التصدير، علم من مصادر مطلعة أن الخيار الأكثر جدية تقدمت به شركة مسجلة في بريطانيا طرحت ترحيل النفايات إلى إحدى الدول الأفريقية. وقد خاضت رئاسة الحكومة مفاوضات مطوّلة مع ممثلين عن الشركة انتهت بإعداد مسودة عقد للتوقيع يشمل كافة تفاصيل العملية، بما فيها الكلفة والمهلة الزمنية والكمية، والبنود الجزائية والمحكمة المختصة بالتحكيم في حال حدوث نزاع، إضافة إلى ضمانات قانونية وعقوبات جزائية في حال مخالفة الشركة شروط العقد. وبحسب المعلومات، لا تزال الحكومة تشترط أن تؤمن الشركة موافقة البلد الذي سيستقبل النفايات، فيما ردّت الشركة بعدم إمكان ذلك قبل توقيع العقد. وخلصت المفاوضات إلى تعهد رئاسة مجلس الوزراء بالموافقة المبدئية على توقيع العقد بما يسمح للشركة بإقناع الحكومة التي ستستقبل النفايات بأن تصدر قراراً بإجازة الاستيراد. لكن هذا الإجراء لم يحصل حتى اليوم، رغم مرور أكثر من أسبوع على الاتفاق عليه.

وتضيف المصادر أن سلام بات مقتنعاً بجدوى هذا الخيار رغم كلفته العالية، لإزالة النفايات المتراكمة منذ ١٧ تموز الماضي وتأمين مرحلة زمنية تقدر بعام ونصف عام للتخلص من النفايات ريثما تتسلم البلديات هذا الملف.

وتحتاج هذه الصفقة إلى جلسة لمجلس الوزراء، لأن هذا العقد بالتراضي، ويلزمه عقد نفقة بما لا يقل عن ٣٠٠ مليون دولار، كذلك إن بند التحكيم الوارد في العقد يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء. علماً بأن الشركة تشترط أن تحدد الحكومة مدة العقد، وأن سعر الطن سيرتفع في حال خفض مدة العقدة وكمية النفايات التي سيجري تصديرها. علماً بأن الكلفة لن تقل عن ١٥٠ دولاراً للطن، يضاف إليه نحو ٨٠ دولاراً تشمل أكلاف الكنس والجمع والنقل إلى مراكز الفرز والكبس والعصر والتغليف، أي إن سعر الطن الإجمالي لن يقل عن ٢٣٠ دولاراً على أقل تقدير، ما يعني وصول القيمة الإجمالية لكلفة هذا الملف خلال عام ونصف عام إلى نحو نصف مليار دولار!