ما بين التبانة والملولة ، معاناة مشتركة لأطفال عاشوا مرارة الحرب ، وتجرعوا كأس التجاذبات السياسية ليشبّوا في أجواء مفعمة بالإرهاب النفسي وبالضغوطات التي فرضها الواقع..

الطفل هناك لا يشبه سائر الأطفال ، منغمس في الأحداث متفاعل معها ، باحث عن الذات في بيئة همشتها المدينة وتناستها الدولة!

الطفل هناك ليس بمجرم ولا بقاتل ولا بإرهابي .. وإنما هو ضحية مجتمع جاهل ودولة "لا قانون بها" ولا تحمي القاصرين.

 

عثمان اسماعيل  من مواليد العام 2000 ، نشأ وشبّ ما بين الملولة وباب التبانة ،  تعرّف الحرب قبل السلم بفعل معارك المحاور بجولاتها المتعددة ، وفهم من لبنان انقسامات الجبل والتبانة قبل أن تعلمه مدرسته الوحدة الوطنية.

هذا الطفل - الشاب ليس إرهابي ولا يهدد الأمن ، ولا يملك أحزمة متفجرة ، كل ما صنعه عبّر عن رأيه فيسبوكياً ونشر على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي صورة "لا عزة إلا بالجهاد" ، صورة كان ثمنها "رغم الحذف" انقطاع أخباره في سجن يقال أنه الريحانية  .

 

عن تفاصيل ما جرى مع عثمان ابن الخامسة عشر ، تروي لنا شقيقته عن الوضع النفسي الذي يعايشونه هم وأهالي المنطقة بسبب ما مرّ عليهم من معاناة لا شأن لهم بها ، فأخيها الصغير قد تأثر بحكم الأحداث المتلاحقة بما يجري سوريا في وتعاطف لحد ما مع أبو عمر منصور الكترونياً وقام بنشر أحاديث دينية وصور منها  تصوّر " رفع اصبع للشهادة" وأخرى تحمل عبارة " لا عزة إلا بالجهاد" .

وعن مجريات الأمور فبحسب العائلة التي ولاءها الأول للجيش وللدولة ومناخها هو تعليمي وتربوي ، فقد تم تحذيرهم ممّا يقوم عثمان بنشره على صفحته فيسبوك وأن ذلك قد يرتد سلباً عليه ، وطلب من الوالد أخذ ابنه إلى مخفر القبة لإجراء "فركة ادن له " ، استجاب الوالد وامتثل لمطلب مخابرات الدولة لأجل حماية ابنه وسلمه إليهم يوم الخميس عند الساعة التاسعة صباحاً على أن يطلق سراحه بعد ساعتين ، غير أن الأمور تبدلت وحُوّل عثمان إلى سجن الريحانية حسبما سمعوا.

 

شقيقة عثمان وفي سؤالنا لها عنه وعن كيف يقضي وقته وإن كان من المتدينين ، تخبرنا  أنه متدين ولكنه متقلب جداً فأحياناً "سبور وصرعة" وأحياناً أخرى يلتزم ، وتشير إلينا أن شقيقها ما زال طفلاً يشاهد الأفلام الكرتونية ولا يغفو إلا حينما يلعب بخصل شعره أمّه..

 

عثمان الذي حسبما علمنا كان يرد التخصص مهنياً ، إلا أنه ها  هو اليوم وراء القبضان الحديدية ، ليكون التوصيف : قاصر في سجن الكبار بسبب "فيسبوك" ؟!

فمن يحمي قصارنا وأين القانون اللبناني لضمان حقوق من هم تحت السن ؟ وكيف يرمى الطفل مع المجرمين بلا محاكمة!

 

ومهما كان ما كتب الصبي تكون المعالجة بتوجيهه لا بوضعه من الإرهابيين ، فنحن كما عائلته مع الجيش اللبناني والدولة اللبنانية غير أن زج القاصرين في السجون قد يخلق منهم متطرفين بدلاً من لبنانيين متعلمين ومثقفين.