الشعوب التي تعيش القهر والإذلال , ويمارس عليها العنف والاستبداد والظلم خلال مسيرة حياتها , يتولد عندها شعور بالكراهية للسلطة ولكل الاجهزة السلطوية , ومن الطبيعي أن يتنامى عندها هذا الشعور حتى يصل الى الحقد , وبالتالي إلى حبّ الانتقام , ويبدأ عندها تشكّل طرق الانتقام حسب الترتيب المستطاع , ومن الممكن أن تستعمل كل الطرق وكل الآليات لأن الحقد إذا تحوّل إلى ملكةٍ نفسانية فمن شأنه أن يُعمي البصيرة والبصر ويؤدي بالانسان إلى أن لا يرى سوى الرغبة بالانتقام , وأخطر حالة قد يصل إليها الإنسان هي حالة الانتقام العشوائي , فيصبّ جام غضبه على أي هدفٍ يشعر بأنه كان سببا لقهره وإذلاله .

شعوبٌ عربية وإسلامية , عاشت في ظل حكم مستبد لعقودٍ من الزمن , بل لقرون من السنين العجاف , لم ترَ إلا العنف والاذلال في أقبية السجون الظلماء , وإذا عاشت خارجه فهي تمشي وتترقّب حولها خائفة من كل شيء , كيف لا يتولّد عندها الإحساس بالخيبة والانكسار , وكيف ينمو عندها الحس الانساني , وهي لا تعرف إلا معاملة القسوة كما يعامل الحيوانات ؟ .

كيف لا ينعكس هذا على تنامي شعور المواطن بالغربة في وطنه , وبالتالي على إنفراط الاواصر التي تربطه بالجماعة , وكيف لا يتحول المواطن إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة وفي أي مكان .

أعتقد أن الانسان الذي لا يملك إحساسا بالكرامة , يعيش الغربة في وطنه , ويزداد عنده الشعور بالتهميش , فلذلك يعمد الى إظهار عدوانيته بكل الوسائل وعلى كل ما يعتقده أنه مصدر من مصادر إستلاب حقوقه .

فسبب تشكّل أنماط العدوانية لدى الانسان المقهور ليست ذاتية , وهذا ثابت بدراسات سايكولوجية , بل هي الظروف السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيش في كنفها , فهي المسؤولة عن تشكّل هويته الثقافية ونمطه التفكيري , فالنظام الحاكم عليه أن يؤمن للمواطن نظام الحقوق والواجبات التي تجعله يشعر بوجوده كإنسان , ويؤمن له نظام توجيهي تربوي من تثقيفٍ وتعليمٍ كي يشعر المواطن بعدم التهميش , النظام الحاكم هو المسؤول عن صناعة الإنسان السليم , قال الامام علي عليه السلام : " فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل , هُدِيَ وهَدى , فأقام سنّة معلومة , وأمات بِدعة مجهولة , وإن السُنن لنيّرة لها أعلام وإن البِدَع لظاهرة لها أعلام , وإن شرّ الناس عند الله إمام جائر ضَلّ وضُلّ به فأمات سنّة مأخوذة وأحيا بِدعة متْروكة " بهذا الخطاب توجه الامام عليه السلام إلى رأس السلطة فأشار إلى الداء وإلى علاجه .وسعى عليه السلام منذ اللحظات الاولى من وصوله إلى الحكم إلى ترسيخ أسس العدالة في المجتمع , فحارب الفقر والظلم وساوى بين الجميع في الحقوق والواجبات , كي لا يشعر الانسان بأي مظلومية تدفعه إلى إرتكابات من شأنها ان تضرب النظام العام . هكذا حاول الامام عليه السلام تأمين الظروف الملائمة لصناعة إنسان كامل الانسانية .