دار حديث مع الباحث الأميركي نفسه، المتخصِّص في أوضاع دول مشرقية عدة ومصر "أم الدنيا" وعن "قلب العالم العربي" كما كانت تُسمى سوريا، فقلت إن المصريين يعتبرون أن الحرب السورية المتنوعة المندلعة منذ أربع سنوات ونصف سنة تهدِّد الأمن القومي المصري، كما يهدِّده المصير الذي ستؤول إليه سوريا بعد انتهائها. وهم يبرِّرون اعتبارهم هذا بأمرين، أولهما أن الجيش المصري، وبسبب التاريخ الطويل من التعاون العسكري في مواجهة إسرائيل، لا يزال يعتبر سوريا شريكة أساسية لبلاده في هذه المواجهة التي لم تنتهِ بعد رغم كل الحروب وكل مراحل عملية السلام، ولا يزال يعتبر إسرائيل مصدر تهديد لبلاده. وثانيهما أن الغزوات العسكرية التي تعرّضت لها مصر في التاريخ كان مصدرها "برّ الشام" أو كان هذا "البرّ" معبرها الوحيد. ولذلك فإن كل ما يحصل فيها يهمُّ مصر. طبعاً لا يقلّل من أهمية الشراكة المؤكَّد عليها أعلاه اقتناع المصريين بأنهم واجهوا خيبات عدّة في أثناء شراكتهم مع سوريا، وأهمها كانت خيبة عام 1973 بعد حرب العبور المصري الناجح لقناة السويس المحتلة يومها من إسرائيل. علماً أنهم يعتبرون أن وحدة بلادهم مع سوريا عام 1958 سبّبت لهم خيبة أخرى. طبعاً لا ينفي المصريون وجود معاهدة سلام بين بلادهم وإسرائيل ولا يتحفّظون عن إبداء تمسُّكهم بها، لكنهم لا يعتبرون الفاصل الجغرافي الذي شكّلته منذ تأسيسها بين مصر وسوريا معطِّلاً للشراكة الاستراتيجية بينهما.
طبعاً وجد الباحث الأميركي نفسه في هذا الكلام بعضاً من المبالغة، لكنه سأل: "إذا كانت سوريا بالأهمية التي يشير إليها مصريون، بعضهم مسؤول في مصر، فهل تتدخَّل عسكرياً لوقف الحرب المتنوعة الدائرة فيها"؟ قلت: أجيبك بسؤالين. أولهما هل تريد مصر فعلاً التدخُّل عسكرياً لإنقاذ سوريا من الحرب الأهلية المذهبية؟ وثانيهما هل تستطيع ذلك؟ أجاب: "لا أعتقد أنها تستطيع التدخُّل عسكرياً. فهي تعاني نقصاً كبيراً في الموارد. وهي منشغلة بمحاربة الإرهاب الأصولي الإسلامي المتطرِّف الناشط على ارضها. فضلاً عن أنها لا تمتلك القدرات اللوجستية لنقل القوات إلى سوريا وللاهتمام بها في أثناء قيامها بواجبها هناك. ولا أعتقد أيضاً أنها تريد التدخُّل عسكرياً في سوريا. ربما يفكِّر قادتها والمسؤولون الكبار فيها بالتدخُّل في ليبيا لأن ما يجري فيها وخصوصاً في شرقها (بنغازي) يؤذي مصر، ولأن حدودها معها صارت مفتوحة للإرهابيين الراغبين في القيام بعمليات مؤذية داخلها وفي سيناء. لكن لا يبدو أنهم سينتقلون في هذا الموضوع من التفكير إلى الفعل. ذلك أن أميركا رفضت تدخُّلهم في ليبيا وأبلغت إليهم ذلك بعد قيام سلاح الجو الإماراتي وبمساعدة مصرية بضربة جوية للإرهابيين فيها. ورافق الإبلاغ احتجاج أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد. ورفضت أميركا التدخُّل نفسه مرة ثالثة عندما ضرب الطيران الحربي المصري إرهابيين ليبيين. وحجتها كانت أن الضربات العسكرية تهدِّد بإفشال مبادرة السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة في ليبيا". تابع الباحث الأميركي نفسه حديثه عن مصر، قال: "حال مصر صعبة. علاقتها معنا (أميركا) جيّدة أو لا بأس بها لكنها لا تعتبرنا صديقاً يمكن الاعتماد عليه (Reliable Friend). في موضوع محاربة الإرهاب طلبت القيادة المصرية منا معدات عسكرية وطائرات حربية من طراز "ف - 16" لم نتجاوب معها، وعرضنا عليها بدلاً من ذلك "تسييج" حدودها مع ليبيا لمنع الإرهابيين المتنوعي الجنسية من عبورها إلى الداخل المصري فسيناء. وأبدينا استعدادنا لإعطائها المعدات اللازمة لذلك مع طائرات هليوكوبتر ومناطيد مراقبة وغير ذلك. لكنها رفضت وتمسكَّت بالـ"ف – 16" لأنها في رأيها أكثر فاعلية في محاربة الإرهاب. وهذا في نظرنا غير صحيح. فردَّت أنها تستعمل هذه الطائرة في شبه جزيرة سيناء. قلنا إنها غير مفيدة. في أي حال ضمَّنت أميركا "عرضها الليبي" أسلحة متنوعة بغضّ النظر عن المساعدة العسكرية السنوية التي تقدمها لمصر. رفضت قيادتها أيضا".
هل تذهب مصر إلى روسيا كما تمّ التلويح مرات عدة في السابق بسبب اختلافات عدة لها مع أميركا؟
أجاب ضاحكاً: "هناك مشتركات عدة على أي حال بين مصر وروسيا منها التاريخ القديم لعلاقتهما التعاونية والتحالفية، ومنها قانون يمنع وسائل الإعلام من نشر عدد ضحايا عمليات الإرهاب كل (في بلاده) وخصوصاً من العسكريين كما يحصلون عليه من مصادر عدة، ويفرض نشر الرقم الذي تعطيه المصادر العسكرية الرسمية".
ماذا قال أيضاً عن مصر والإرهاب فيها؟