البدايات: القاعدة في العراق

دخلت أولى عناصر التيار السلفي الجهادي إلى العراق من منطقة كردستان التي كانت خارج سلطة صدام حسين منذ التدخل الدولي في حرب عاصفة الصحراء عام 1991؛ إذ فرضت القوات الأميركية والبريطانية يومها منطقة حظر للطيران العراقي فوق خط العرض 36 لحماية حكومة الإقليم التي سيطر عليها الحزبان الكرديان الرئيسيان: الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني.

وكانت جماعات كردية صغيرة تعتنق الفكر السلفي قد نشطت في كردستان منذ ثمانينيات القرن العشرين. وفي العام 2001 توحّدت معظم هذه المجموعات تحت لواء (أنصار الإسلام) بقيادة الملا كريكار . ولم يكن هناك علاقة تنظيمية بين الملا كريكار وجماعته، وبين تنظيم القاعدة أو أبو مصعب الزرقاوي .

بالمقابل اختارت مجموعة من السلفيين العرب ممن كانوا في أفغانستان (بقيادة أبو مصعب الزرقاوي) المنطقة الكردية لدخول العراق في عام 2002. وعلى الرغم من أن مجموعة الزرقاوي لم تكن تنظيميًا جزءًا من تنظيم القاعدة، فقد أتى هذا التحرك مطابقا للتصور الذي وضعته القاعدة للحرب المقبلة في العراق إذ كانت نداءات قادة التنظيم قد حثت المسلمين في أنحاء العالم إلى دخول العراق لمواجهة القوات الأميركية وحلفائها خصوصًا بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان، ما جعل للمواجهة في العراق مكانة إستراتيجية مهمة في صراع القاعدة مع الولايات المتحدة.

أعطى جو الفوضى الذي أعقب السقوط السريع لنظام صدام حسين فرصة ذهبية لمجموعة الزرقاوي لأن تنشط في عملياتها ضد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وضد الأحزاب والشخصيات العراقية التي برزت في العراق بعد سقوط النظام. ونشطت مجموعة الزرقاوي على طول المحافظات التي تسكنها غالبية سنية وخصوصا محافظة الأنبار غربي العراق. وأضحت الأنبار معقلًا للزرقاوي وتنظيمه الذي أطلق عليه أول الأمر اسم (جماعة التوحيد والجهاد).

قدمت القاعدة نفسها في العراق كمدافع عن أهل السنّة فيه. وكان خطابها متوجهًا لهم على وجه الخصوص، بينما وُضع الشيعة كعدو وهدف للعنف بذريعة تعاونهم مع الاحتلال واستهدافهم للسنة. وكانت هذه القضية واحدة من أهم نقاط الخلاف بين الزرقاوي وبين شيخه السابق المفكر السلفي الجهادي الأردني من أصل فلسطيني أبو محمد المقدسي. فقد وجه المقدسي رسالة إلى الزرقاوي انتقد فيها نقاطًا عديدة في أفعال تنظيم الزرقاوي ومنها استهداف الشيعة وتكفيرهم على وجه العموم، ورد عليه الزرقاوي في مواقع عديدة.

وقام الزرقاوي بتوسيع نشاطه ليمتد إلى الدول المجاورة وتحديدًا بلده الأردن. وقد أدت عملياته في الأردن إلى أن تشترك أجهزة المخابرات الأردنية في عملية تتبع تحركاته والإيقاع به حتى تمكنت القوات الأميركية من رصده وقتله.

في 2004 أعلن الزرقاوي البيعة لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وغيّر تسمية تنظيمه إلى "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين". وفي 15 كانون الثاني/يناير 2006 انضم تنظيم القاعدة في العراق إلى ست جماعات جهادية أخرى تقاتل ضد الاحتلال الأميركي والنظام العراقي الجديد. وتأسس ما يسمى "مجلس شورى المجاهدين في العراق"، وتم اختيار "أبي عمر البغدادي" أميرًا للمجلس الجديد، وضم هذا المجلس الجماعات التالية:

- تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين.

- جيش الطائفة المنصورة.

- سرايا أنْصار التّوحيد.

- سرايا الجهاد الإسلامي.

- سرايا الغرباء.

- كتائب الأهوال.

- جيش أهل السنّة والجماعة.

وفي 15 تشرين الأول/أكتوبر عام 2006 تم حل "مجلس شورى المجاهدين" لصالح إنشاء "دولة العراق الإسلامية" بزعامة "أبي عمر البغدادي" (الذي حل محل أبو مصعب الزرقاوي بعد اغتيال الأخير).

الانكماش والضعف

أدى إعلان دولة العراق الإسلامية إلى توتر العلاقة بالمجتمع السني العراقي المتمسك بوطنيته العراقية وبوحدته. هذا ناهيك عن ما تركه تحرك القاعدة من أجل تحصيل البيعة لأميرها (أبو عمر البغدادي) من آثار سلبية من حيث إن البغدادي شخصية غر معروفة في بلد يعتز فيه الناس بالأنساب. ولكن القاعدة التي أعلنت عن قيام دولة إسلامية قررت التعامل كدولة تجب على المسلمين طاعتها، ما أدى إلى اندلاع العنف بينها وبين العشائر والتنظيمات السنّية.

هذا الانقلاب الذي حصل في المجتمع السني ضد القاعدة دفع بمجموعة من رجال العشائر السنّية في الأنبار يتزعمهم الشيخ عبد الستار أبو ريشة وبدعم أميركي منذ نهاية العام 2006 بمقاتلة رجال القاعدة وطردهم من معاقلهم هناك. وقد أدى نجاح تلك التجربة إلي انتشارها بسرعة في معظم المناطق السنّية بالعراق، وبالتالي فقد تشكلت ما عُرف باسم "مجالس الصحوات" في الأنبار أولًا (عام 2007) ثم امتدت ليبدأ معها تراجع "دولة العراق الإسلامية"، التي ظلت في تقهقر كبير عامي 2008 و 2009، إلى أن اعترفت بفشلها وسقوط دولتها في وثيقتها الاستراتيجية أوائل كانون الثاني/يناير 2010.

سعود المولى