طرح التدخل العسكري في سورية قبل نحو شهر أسئلة عدة لدى المتابعين، حول أهدافه ونتائجه وتأثيراته على تطورات الأزمة.

وبدأت روسيا في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي حملة جوية في سورية استجابة لطلب دمشق، قالت إنها تستهدف تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) ومجموعات «إرهابية» أخرى، فيما انتقدت الدول الغربية موسكو لشنها ضربات ضد فصائل المعارضة السورية.

ويطرح حديث موسكو يومياً عن «إنجازات ملموسة» تستخدم فيها تقنيات لم يرَها الروس والعالم إلا في نشرات تعريفية، أو خلال عروض مهيبة تنظّم في الساحة الحمراء كل سنة، السؤال المهم:  هل غدت سورية ميدان تجارب للسلحة الروسية الحديثة ؟ فالمسؤولين عن القطاع الإقتصادي في الحكومة الروسية أعلنوا، منذ بدء العمليات العسكرية، أنها تموَّل من موازنة وزارة الدفاع (كلفتها ضخمة وتزيد عن 80 بليون دولار)، وتحديداً من باب في الموازنة مخصص للتدريبات والمناورات العسكرية وتجارب الصواريخ والأسلحة الحديثة.

ودفعت هذه التصريحات والعمليات العسكرية المراقبين إلى القول إن موسكو نقلت ميدان التجارب والتدريبات الى الأراضي السورية، وهو ما يفسر التشديد على «المدة المحدودة».

أما السؤال الثاني الذي يتوجب طرحه بعد مرور نحو شهر على العمليات، ما الذي تختبره روسيا في سورية عسكرياً؟ بخلاف الضربات الكثيرة التي استُخدمت فيها غالباً قذائف «غبية» غير موجّهة، بدا استعراض صواريخ «كاليبر» التي أُطلِقت من بحر قزوين لافتاً، وضجت الصحافة الروسية الموجّهة بالتحليلات عن «المفاجأة» التي أحدثها إطلاق الصواريخ لدى الغرب. وعلى رغم تقارير عن «تعثر» 4 من 26 صاروخاً وسقوطها في إيران، لكن الأمر ليس غريباً، بل يحدث في أي تدريب.

وتكمن أهمية الحدث في أنها المرة الأولى التي تُجرَّب فيها تلك الصواريخ ميدانياً، كما أن النسخ التي قدمتها روسيا سابقاً في المعارض والندوات المتخصصة، كان مداها 300 كيلومتر، بينما فاجأت موسكو الغرب بقدرتها على ضرب أهداف على بعد 1500 كيلومتر.

وهي أيضاً المرة الأولى التي تختبر فيها موسكو ميدانياً منظومة «غلوناس» الفضائية للتحكُّم والتوجيه، وتباهى الناطقون العسكريون بنتائج «ممتازة» على هذا الصعيد.

ومع قدرات الصواريخ والمقاتلات، استعرضت روسيا إمكانات قذائفها الموجّهة في سورية، وبرزت منها قذيفة «كا ا بي 500» القادرة على اختراق تحصينات تحت الأرض وتدميرها. إلى ذلك، دخلت «الخدمة الميدانية» في سورية طائرات تجسس بلا طيار، وهي مزودة بتقنيات رادار مطوّرة تحدِّد الأهداف وترسل إشارات إلكترونية لتعديل مسار الضربات تلقائياً. وبين التقنيات الأخرى الحديثة، راجمة قذائف أُطلِق عليها «الشمس الحارقة»، حصل عليها النظام السوري اخيراً، وبدأ «يجربها» في ريف اللاذقية ومناطق أخرى.

ولا يخفِ العسكريون الروس ارتياحهم إلى ما أُنجِز حتى الآن، والأهم لديهم من تدمير معاقل «الإرهاب» هو درس رد فعل الغرب على التقنيات الحديثة المستخدمة، وهذا واحد من الأهداف البعيدة للحملة.

لكن  السفير الروسي لدى السعودية أوليغ أوزيروف أكد أن موسكو لديها هدف أساس هو إيجاد التسوية في سورية على أسس ديموقراطية، تحترم مصالح كل القوى الوطنية والقوميات والطوائف الدينية، بما في ذلك الأكراد. ولفت إلى أن هذه التسوية يجب أن تؤمّن حقوق كل الأقليات، الدينية والعرقية، في إطار دولة علمانية ذات سيادة موحدة.

وشدد أوزيروف على أن مصير سورية أهم من مصير رئيسها بشار الأسد، وأن موسكو منفتحة على كل فصائل المعارضة السورية إلا الإرهابية منها. وتابع: "نحن نؤيد إعادة بناء سيادة سورية الموحدة على أسس ديموقراطية".

وعلى رغم أن روسيا كانت تتحدث عن حل سياسي في سورية، ومن ثم أصبحت رأس حربة في المعركة السورية، لكن السفير قال: "نحن نتمسك بالحل السياسي، لكن قبل أن ننتقل إليه من المهم جداً أن نزيل العامل الإرهابي من الساحة، وفي ظل مشاركة الإرهابيين نرفض الحل السياسي. فكيف تتصورون عملية سياسية وثلث الأراضي السورية، أو مساحة كبيرة منها، تحت سيطرة الإرهابيين. هذا مستحيل".

وشدد على أن "روسيا لا تملك طموحات استعمارية أو مصالح توسعية في الشرق الأوسط. نحن لا نحتاج إلى النفط والغاز والأنابيب، فلدينا كل شيء. لدينا 38 في المئة من الموارد الطبيعية التي يملكها العالم كله، ونحن نصدر. لكن لدينا مصالح أمنية، ومصالح مرتبطة باستقرار المنطقة". وأضاف أن من أبرز الأهداف الأمنية أن «تركيا لا تطلب من مواطنينا تأشيرة دخول أراضيها. وبالتالي يهرب المقاتل الروسي من سورية، ويركب الطائرة من تركيا، ومن الممكن أن يأتي إلى روسيا. ونحن لا نريد أن يعود هؤلاء إلينا، لا نريدهم».

وأشار إلى أنه في حال القضاء على القوى الإرهابية، وانتهاء العامل الإرهابي من الساحة، سيكون دور روسيا هو الإسهام في توحيد القوى الوطنية السورية، بما في ذلك المعارضة، لانطلاق العملية السياسية والحوار السياسي، لإيجاد حل طويل الأمد في سورية.