مما لا شك فيه أن صاحب الحق وخاصة المتّزن يتميّز عن غيره بالهدوء والروية , لأن كبير القوم خادمهم كما يُقال في المقولة الشهيرة المنطقية , والتي تحتوي معنى من معاني التواضع بشكل من الاشكال , وصاحب الباطل سواء كان متّزن أم لم يكن , دأبه الصراخ والكلام المتناقض , وأهم صفة فيه هي أنه لا يرى عيب نفسه الذي عادة يكون نفس عيب الآخر المُنْتَقد , ودائما يرى عيب الآخر الخصم , وهو دائما يقع في نفس هذا العيب .

خطاب الأمس العاشورائي للسيد حسن نصرالله , تميّز فقط بالصراخ والاتهام والتحريض , حاولنا أن نستمع لكل الفقرات وكنا ننتظر شيئا من النقد الموضوعي الذي يضع الناس على شيءٍ من الحقيقة التي قد تساعدهم على رؤية الواقع الذي يدور من حولهم , إلا أن سماحة السيد أصر على تضليل الرأي العام الشيعي فقط , لأنه فقد التأثير على كل الساحات غير الشيعية , بل إن الساحة الشيعية بدأت تتململ من خطاب حماسي متوتر  جُلُه الدفاع عن إيران ومصالحها فقط لا غير , وإلى الان لم يُجلب لهم الا العداوة مع الاخرين , ولم يحصد الا خيبات الامل , والضرر على الطائفة الشيعية , ومزيد من الخسائر البشرية والمادية .

التوتر الذي ساد الخطاب بالأمس , وطريقة العصبية التي جعلته غير متّزن , دلّ على أنه يشعر بالخسارة المهينة , على الساحة السورية , وأن ما قدمه حتى الان ذهب هباءً منثورا , وعلى الساحة اللبنانية الداخلية فشلت كل خياراته السياسية و هذا ليس مستغربا , لأن هذه هي نهاية المرتزقة المُستخدمين من إنظمة تبحث عن مصالحها .

نعم نحن نسلم بأن بعض الانظمة المحميّة أميركيا هي أنظمة مستبدة وظالمة , ونسلم أيضا أن أميركا تبحث عن مصالحها على حساب شعوب ودول , ونسلّم أيضا أن أميركا بسياستها الخارجية تستعمل سياسة العصى والجزرة , وهي مع مَن يؤمن لها مصالحها ولا تهتم بالشعوب وأكثر من ذلك إن أميركا هي حليفة العدو الصهيوني وتحميه بكل ما عندها من قوة , ولكن المشكلة عندك يا سماحة السيد أنك بارعٌ بخلط الحق بالباطل , فمَنْ هم حلفاؤك , أليس حليفك هو النظام السوري ربيب الاميركي , والظالم المستبد الذي يقتل شعبه بدم بارد وأنت إلى جانبه تساعده على قتل شعبه , وأين مساحة الحرية في النظام السوري , والنظام الايراني ولي أمرك .

لا حقوق إنسان في السعودية وسورية , ولا في إيران , ولا ديمقراطية في السعودية وسورية , ولا في إيران , حتى في سياسة حزب الله وثقافته لا حرية ولا ديمقراطية ولا إنتخابات , ومع هذا كله فإن الجمهورية الاسلامية لم تصل الى مستوى خطابك العدائي لبعض الانظمة العربية , وغلى مستوى التحريض الذي تبثه في جمهور لا حول لهم ولا قوة .

التوتر هذا , لا يُغير من الواقع شيئا , ولا يُبدّل التحالفات الجديدة التي أخرجت حزب الله من المعادلة الاقليمية ومن حسابات الدول , ووضعته في مكانه الطبيعي وبحجمه الطبيعي , فهوّن من نفسك يا سماحة السيد , وأهدأ قليلا ريثما يتبين لك الخيط الابيض من الخيط الاسود من التحولات الجديدة وعلى رأسها التقارب الايراني الاميركي , الذي أحرجك فأخرجك , وأصعب موقف لك في نهاية مسيرتك كانت وللأسف محرجة جدا , ليس لك فقط بل لكل المحبين لك , وهو وقوفك مرغما مع التحالف الروسي الصهيوني , وهذا يكفي لوحده لأن تكون متوترا الى هذا الحد .

فمَن تابع الخطاب بالأمس ودرسه بدقة خلص إلى نتيجة مفادها أن المنطقة قادمة على مرحلة صعبة من التغييرات السياسية وقبلها تغييرات عسكرية , بتحالفات لا يكون لحزب الله فيها أي دور . هنا يكمن سرّ التوتر .