بدأت حكومة ربط النزاع بإقرار الخطة الامنية في طرابلس، وإنهاء جبهة التبانة وبعل محسن، ومرت بمراحل من الهبوط والصعود في الانتاجية، وانتهت بحالة موت سريري، فرضه عليها «حزب الله» الذي وصل الى حدّ التهديد بشلّ عمل الحكومة تضامناً مع حليفه العماد ميشال عون بسبب سقوط صفقة الترقيات. لم يكن جديداً ما اعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق في ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن. فالمشنوق وغيره من القيادات المستقبلية عبّروا في الاجتماعات وبعيداً من الاعلام مراراً عن يأسهم من استمرار عمل الحكومة، وعن انعدام الجدوى من المشاركة فيها، طالما أنّ حزب الله وحليفه العماد عون قرّرا سلوك طريق التعطيل، خصوصاً في مرحلة ما بعد الفراغ الرئاسي الذي كانت لهم اليد الطولى في التسبب به.

غير أنّ الاعلان للرأي العام عن التحذير من عدم القدرة على الاستمرار في الحكومة اتى بعدما طفح الكيل، ولعلّ تجربة وزير الداخلية مع حزب الله تكفي وحدها، لاختصار قصة اليأس من سلوك الحزب الذي يأخذ ولا يعطي، والذي يكيل المديح لمَن ياخذ منه، دون أن يبادر في المقابل الى اتخاذ خطوات تساهم في إرساء التوازن السياسي، وأبلغ مثال على ذلك الخطة الأمنية التي لم تنفّذ في البقاع.

كان وزير الداخلية نهاد المشنوق قد اعتمد سياسة الأبواب المفتوحة مع حزب الله والعماد عون منذ اليوم الاول لتشكيل الحكومة. استقبل الحاج وفيق صفا على طاولة وزارة الداخلية في اجتماع أمني، خارقاً البروتوكول وكلّ الاعتبارات، دخل في مفاوضات مع الحزب في موضوع قرية الطفيل، ولم ينل إلّا النكث بالوعود، خاض مخاض سجن رومية وكان شديداً في تنفيذ القانون في بيئته، ومع ذلك ماذا كانت النتيجة؟

لقد قابل حزب الله هذه الخطوات بالتصفيق والاطراء، وفي المقابل اوقف عجلة خطة البقاع الامنية التي لم تبدأ، عند أسوار نوح زعيتر، فكان التسيّب الأمني في البقاع والاعتداء على رجال الدين، والفلتان اليومي في بعلبك.

من خطة البقاع التي أحبطها حزب الله الى موضوع الترقيات الذي كان يحظى بتأييد بعض القوى المستقبلية، الى موضوع النفايات، وغيرها الكثير، كان حزب الله يتصرّف وفق قاعدة الموافقة على التبريد والاستقرار لكن مع تدفيع الفريق المشارك في الحكومة ثمنَ هذه الموافقة، وتُرجم ذلك على شكل ابتزاز مكشوف في موضوع الترقيات، وعلى شكل محاولة ترتيب اصطدام بين عون وتيار المستقبل، في موضوع التمديد لقائد الجيش في حين كان موافقاً على التمديد.

ولعلّ أبرز ما يجدر التوقف عنده في موضوع تهديد المستقبل بالاستقالة من الحكومة والانسحاب من الحوار، أنه أتى من الشخصية المستقبلية الاكثر مرونة في التعاطي مع حزب الله، أيْ من الوزير المشنوق، الذي نفّذ ما يترتب عليه كوزير للداخلية في مواجهة بيئته، دون أن يتمكن من تحقيق أيّ توازن في المقابل، حيث استسهل أمين عام الحزب السيد حسن نصرالله إحالة موضوع خطة البقاع على العائلات والعشائر، بما يوحي بأنّ الحزب يريد من المستقبل أن يمارس دور الصحوات في بيئته، فيما هو يسلّح نوح زعيتر وأمثاله ويشركهم في معركة القلمون، ويمنحهم الغطاء الكامل الذي تتكسّر عنده كلّ الخطط الأمنية.

يبقى السؤال: هل يمضي تيار المستقبل في تهديده بالاستقالة من الحكومة، وفي الانسحاب من الحوار، وهل نسّق وزير الداخلية كلمته مسبَقاً مع الرئيس سعد الحريري؟

الاكيد أنّ الوزير المشنوق أرسل الكلمة التي ألقاها مسبقاً للرئيس سعد الحريري، لكنّ ذلك لا يقود الى التأكيد أنّ تنسيقاً وتداولاً وتبادلاً للأفكار والصياغات قد حصل، ففعل التنسيق يختلف عن الآلية التي اتُبِعت، ومن المرجح بالتالي أن يصدر اليوم عن كتلة المستقبل بيانٌ سيؤكد على أكثر من هدف أولها تغطية موقف المشنوق، ليس بالضرورة عبر الذهاب الى التهديد بالاستقالة، بل بتحذير حزب الله من السلوك الذي يهدّد استمرار الحكومة، وتحميله المسؤولية عما قد يحصل.