منذ يومين أقام الجنرال "ٌقداسه" التشريني ، متمسكاً بصكّ بعبدا وهو من خسر معركة "قيادة الجيش" بعدما فشلت تسوية روكز ليقول  ألداده لصهره " إلى التسريح دُر " ...

في هذا القداس تمّ إحياء ذكرى 13 تشرين التي يكللها العونيون بالشرف والتضحية ، ويصوّرون عون من خلالها على أنّه افتدى الوطن متمسكاً بمبادىء الحرية ، وبأنّه البطل الشجاع الأبي الذي تحمّل المنفى لأجل قضية آمنها .

 

ولكن قبل أن نستعرض الشخصية العونية وتدرجاتها بعد 2005  ، لا بد من التوقف عندها في عام 1988 ...

 

ففي 22 أيلول من العام 1988  لم يكن الجنرال عون غير قائد للجيش ، إلا أنّ هذا التاريخ شكلّ حركة مفصلية في تاريخه وتاريخ لبنان .

إذ مع انتهاء الولاية الرئاسية لأمين الجميل تسلّم عون بعبدا ، ليدخل لبنان عهد حكومة عسكرية يرأسها الجنرال ، عن هذا التحوّل يخبرنا أحد العسكريين ممّن واكبوا تلك الحقبة ، وممّن لم يكونوا في حينها ضمن جيش عون ، لأنه مع تسلّم قائد الجيش منصب الرئاسة ، إنقسم لبنان كما الجيش إنطلاقاً من "شرقية وغربية " !

فمع إختلاف تفاسير الدستور ومع ما يبرر تسلّم عون قانونياً ، ومن يرى أنّ النص يقتضي بتسلّم رئيس الحكومة لحين انتخاب رئيس جمهورية أصبح في لبنان حكومتين وجيشين !

الأولى : حكومة عسكرية بقيادة عون أما مناصريها فهم "الشرقية والتابعين لها"

الثانية : حكومة "إسلامية" بقيادة سامي الخطيب مدعومة من الغربية والقوات السورية والأحزاب اللبنانية !

ولكل حكومة جيش مستقل عن الآخر!

 

عهد الجنرال  لم يكن مزهراً كما يحاول أن يمظهر المشهد ، ففي تاريخه وصمتين ، ألا وهما ، حرب إلغاء ما زال يمارسها ، وحرب تحرير حصدت العديد من الشهداء ليحتميَ الجنرال في السفارة الفرنسية هو وأسرته ّ ...

 

في حرب الإلغاء رفض عون كل صوت مسيحي معارض فهو لم يكتفِ بتركيع وإذلال البطريرك صفير "رمز الطائفة المسيحية" ، وإنّما أراد القضاء على الخصم المسيحي القوي في حينها "جعجع" ، لتنشأ حرباً دموية بين الجيش اللبناني "بمختلف طوائفه" من جهة ، وبين القوات ومن يحالفها من جهة ثانية ، هذه الحرب – المجزرة ، دفع ثمنها عديد من الشهداء الذي لم يأبه الجنرال لدمائهم فكل ما يهمه هو أن يكون "المسيح ، المخلص ، القوة الأحادية على الساحة اللبنانية" !

 

لم تنتهِ هذه الحرب إلا مع بدء الحرب السورية ، في حينها أقام عون نوعاً من ورقة التحالف مع خصمه اللدود ، ليعلن حرباً أخرى هي حرب التحرير ...

في هذه الحرب قاتل الجيش اللبناني – الجيش اللبناني ، إذ لم يراعِ الجنرال الإنقسام ولا استنزاف المؤسسة العسكرية  ، ولا الشهداء ، متذرعاً أنه يقاتل القوات السورية فقط متناسياً أنّ العسكر ممّن انقسموا واتجهوا لصف حكومة سامي الخطيب هم لبنانيون !

 

ماذا حصل في 13 تشرين الأول 1990 ؟!

 

مع كل المحاولات لإقناع عون بالتخلي عن مطامعه الخاصة ، وكفّ دماء الجيش اللبناني ، إلى أنّ هاجسه بقصر بعبدا وبتسوية تأتي به رئيساً دفعاه لأن يضحي بكل شيء إلا بنفسه وعائلته ...

فعندما وصلت طائرات سوخوي السورية إلى قصر بعبدا وبدأت بالقصف ، تخلّى الجنرال عن التحرير ليستسلم بخطاب "وجداني" وليطلب من جنوده الإلتحاق تحت إمرة إميل لحود !

عون غادر بعبدا بملالة عسكرية متجهاً إلى السفارة الفرنسية طالباً اللجوء السياسي له ولعائلته ، تاركاً في الميدان الجيش اللبناني بين مكيدة الجيش السوري وبين "عدم وصول خطاب الإستسلام" !

 

ويقول أحد الجنود ممّن كانوا حينها في جيش سامي الخطيب ، لقد وصلنا خطاب عون وإتفقنا على الذهاب للتسلّم من جيشه ، ولكن عند وصولنا فوجئنا بمجازر حلَت بالعسكر في الثكنات فالجيش السوري كان قد وصل قبلنا وقام بتصفيتهم ...

وأضاف ، كثير من أفراد الجيش لم يصلهم الخطاب وإستمرت المعارك واستمر سقوط الشهداء ، مشيراً إلى الشاهدة "على جريمة عون" وهي المقبرة الجماعية في وزارة الدفاع !

 

13 تشرين 2015  !

 

ما بين جنرال الأمس وجنرال اليوم سقط الكثير ، أوّل ما سقط أكذوبة التحرير فما إن عاد عون من منفاه مستغلاً "14 آذار 2005" وشعاراتها ، حتى صافح أعداء الماضي ...

تحوّلت سوريا عشيقة عون ، داعساً على قبور الشهداء الذين هو من أوداهم في التهلكة !

ولم يظل منه إلا "الإلغاء" و "الهيمنة المسيحية" وهذا ما نشهده اليوم عبر ما يعتمده الجنرال من سياسة "أنا أو لا أحد " و "أصهرتي أو لا أحد " ؟!

وعبر محاولة تصوير نفسه على أنه "مسيح العصر" !

 

لأتساءل هنا : كيف للجنرال أن يعتبر 13 تشرين 1990 ذكرى انتصار وهو من رفع راية الإستسلام مرتين ، الأولى حينما فرّ تاركاً الجيش وحده ، والثانية حينما عاد ليركع عند أقدام بشار !

وكيف له أن يوجه تحية للشهداء ، الذين لو نطقت قبورهم للعنته ولقالت له : "عار عليك أن تقتلنا ، وتمشي – متبجحاً – في جنازاتنا" ..