خلال هذه الفترة من كلّ عام، يهتمّ الناس أكثر بصحّتهم ويبحثون عن أيّ وسيلة تساعدهم على تقوية مناعتهم استعداداً للوقوف في وجه الأمراض والفيروسات والعدوى التي تنتشر بكثافة خلال موسمَيْ الخريف والشتاء. فما هي أحدث التوصيات التي قدّمها الخبراء إستناداً إلى نتائج الأبحاث التي أجروها خلال السنوات الأخيرة؟عندما يتعلّق الأمر بالبحث عن الوسائل التي تُحصّن أجسامكم ضدّ الأمراض من خلال تقوية مناعتكم، فقد تعتقدون أنّ الأمر يقتصر فقط على عدم التدخين، والتقيّد بغذاء صحّي قليل الدهون المشبّعة والمهدرَجة، واحتساء الكحول باعتدال، وإتّباع معايير النظافة الشخصية مثل غسل اليدين بانتظام.

وبالتأكيد لا ننسى ذكر الإقبال المكثّف على شراء مصادر الفيتامين C الطبيعية ومكمّلاته الغذائية بمختلف أنواعها، نظراً إلى الاعتقاد الشائع بأنّ هذه المادة تُعدّ الأساس في الوقاية من العدوى.

لكنّ الحقيقة هي أنّ الناس يُخطئون كثيراً في تقدير بعض الأمور، خصوصاً عندما يتعلّق الموضوع بالفيتامين C، لا بل يجهلون أيضاً خطوات كثيرة تلعب دوراً جبّاراً في تقوية مناعتهم.

وقبل كشف الستار عن أحدث النتائج العلمية التي تمّ التوصّل إليها أخيراً، أوضحت إختصاصية التغذية ناتالي جابرايان لـ"الجمهورية" أنّ "هناك طبقة واحدة فاصلة بين الإنسان من الداخل إلى الخارج، ما يفسّر تعرّضه المكثّف للفيروسات والبكتيريا والسموم والعوامل الأخرى.

لكنّ الخبر الجيّد هو أنّ الجسم يملك نظاماً دفاعياً مؤلّفاً من الأجسام المُضادّة المعروفة بالـ"IgA" و"IgG" و"IgE" ولكلّ منها وظيفة معيّنة".

وتابعت حديثها قائلةً إنه "لحسن الحظ يمكن إتّباع استراتيجيات عدّة لتقوية هذه الأجسام المُضادّة وبالتالي تعزيز مناعة الجسم، لعلّ أبرزها وأحدثها:

الخضار والفاكهة

بيّنت دراسة نُشرت في "Proceeding of Nutrition Society" أنّ البالغين والمسنّين الذين استهلكوا كميّة جيّدة من الخضار والفاكهة تحسّنت مناعتهم بشكل ملحوظ. واللافت أنّ ارتفاع المناعة لديهم استمرّ لفترة طويلة. لذلك لا تتردّدوا في زيادة حصص هذه المنتجات الطبيعية بشكلٍ مدروس ويومي لتقوية جهازكم المناعي.

الفطر

أظهرت الأبحاث العلمية أنّ تناول الفطر بانتظام ساهم في رفع إفراز الـ"IgA" بنسبة 50 في المئة، واللافت أنّ هذه الميزة استمرّت لأسبوع أو أسبوعين بعد التوقّف عن استهلاكه. لكي تتمكّنوا من الاستفادة من هذه المنفعة عليكم إدخال الفطر بانتظام إلى غذائكم، وليس الاكتفاء بتناوله ليوم واحد. يُشار إلى أنّ غالبية أنواع الفطر الموجودة في الأسواق هي فعّالة، ولكن يُستحسن شراؤها طازجة وغير معلّبة كي تكون مكوّناتها أكثر نشاطاً وفاعلية.

الخميرة

سواءٌ أكانت الخميرة الغذائية (Nutritional Yeast) الموجودة على شكل بودرة معلّبة وتُضاف إلى الـ"Smoothies" وسَلطات الخضار والشوربة والمعكرونة، أو خميرة الخبز، أو خميرة البيرة، إعلموا أنها مفيدة جداً لكم! تحتوي الخميرة 18 حامضاً أمينياً من بينها 9 أحماض أساسية لا يمكن للجسم إنتاجها، ومعادن السلينيوم والحديد والزنك، ومُركّب بيتاغلوكان الذي رُبط تحديداً بتعزيز المناعة والمساعدة على خفض الكولسترول والوقاية من السرطان.

إستناداً إلى "European Journal of Nutrition" عام 2013، فإنّ حالات الإصابة بنزلات البرد قد انخفضت بنسبة 25 في المئة لدى الأشخاص الذين حصلوا تقريباً على نصف ملعقة أو ملعقة واحدة من الخميرة الغذائية في اليوم.

وإلى جانب قدرتها على رفع المناعة، أظهر بحث نُشر في "Nutrition Journal" عام 2014 أنها مُضادّة أيضاً للالتهابات. لكن إنتبهوا! تحتوي الخميرة مادة البورين التي تتسبب عادةً بحِصى الكلى وترفع حامض اليوريك في الجسم.

لذلك يجب على كلّ شخص يعاني هذه المشكلات ويخضع لزرع الكلى أن يتفادى استهلاك الخميرة. أما الأشخاص الأصحاء فبإمكانهم الحصول على نصف ملعقة أو ملعقة من دون التعرّض لأيّ انعكاسات سلبية.

البروتينات

بحسب جامعة "هارفارد"، إنّ الغذاء الذي يفتقر إلى البروتينات يؤدّي إلى خفض عدد الـ"IgA" في الجسم. لذلك من المهمّ الحصول بانتظام على المصادر الصحّية لهذه المادة المهمّة، كصدر الدجاج المنزوع الجلد واللحوم القليلة الدهون والسمك والحبوب والبقوليات والمكسّرات والبذور.

النوم

أظهرت الدراسات أنّ الأشخاص الذين ينامون لساعات كافية، كانوا 3 إلى 5 مرات أكثر قدرة على محاربة الفيروسات، ما يعني إرتفاع المناعة لديهم. أثناء النوم تعمل الهرمونات المرتبطة بالمناعة بشكلٍ صحيح، لذلك من المهمّ جداً ضمان ما بين 7 إلى 8 ساعات من النوم يومياً. أمّا عدم توفّر ذلك قد يؤدّي إلى ارتفاع مستويات هرمون التوتر وأيضاً زيادة الالتهابات في الجسم.

ممارسة الرياضة

حاوِلوا القيام بأيّ نشاط منتظم ومعتدل، كالمشي يومياً لنصف ساعة، فذلك قد يساعدكم على تقوية مناعتكم. يُشار إلى أنّ الرياضة تساعد على تعزيز المواد الكيماوية التي تؤمّن لكم الشعور بالسعادة وتحسّن نوعية نومكم، ما ينعكس إيجاباً على جهازكم المناعي.

التوتر المُزمن

لا يمكن التخلّص منه نهائياً بما أنه يشكّل جزءاً من الحياة، لكن يمكن السيطرة عليه عن طريق ممارسة الرياضة، أو التحدّث إلى الأصدقاء، أو تعلّم تمارين اليوغا والاسترخاء. إعلموا أنّ التوتر المُزمن يُعرّض أجسامكم لكميات مرتفعة ومستمرّة من الهرمونات السيّئة التي تؤثّر في الجهاز المناعي، وبذلك تصبحون أكثر عرضة للمشكلات الصحّية بدءاً من نزلات البرد وصولاً إلى الأمراض الخطيرة.

الفيتامين C

يعتقد الجميع أنّ هذه المادة تشكّل الأساس لمحاربة الأمراض. وبغضّ النظر عن الاعتقاد الشائع بأنّ الفيتامين C يساعد على علاج نزلات البرد والإنفلونزا، تبيّن أنّ الحصول على جرعة جيّدة منه قد يساهم في خفض مدة استمرار نزلات البرد. ولكن إعلموا أنّ الفيتامين C لا يشكّل الطريقة المثالية لتقوية المناعة، كما وأنه لا يحميكم من المشكلات الفيروسية أو يقلّل عدد مرات تعرّضكم لها سنوياً.

يُذكر أنّ الأشخاص الذين يعيشون في مناطق باردة جداً أو يمارسون الرياضة كثيراً هم الأكثر حاجة للفيتامين C بما أنهم يخسرونه بشكل أكبر. إنه موجود بكثرة في الفريز والكيوي والبندورة والأناناس وفصيلة التوت والفلفل والفاكهة الحمضية والبروكولي.

المُغذّيات المقوّية للمناعة

الزنك (بذور اليقطين، دوار الشمس، اللحوم، الخضار الخضراء)، السلينيوم (ثمار البحر، التونة، الحبش، الدجاج، بذور دوار الشمس)، الحديد (البقوليات كالعدس، الخضار الورقية الخضراء كالسبانخ والروكا والبامية والبروكولي، اللحوم الحمراء، الفاكهة المجففة، الدبس)، النحاس (ثمار البحر، الـKale، الفطر، الكاجو، بذور السمسم)، حامض الفوليك المعروف بالفيتامين B9 (الورقيات الخضراء، الهليون، الأفوكا)، الفيتامينات A (اليقطين، البندورة، المشمش، الفلفل، الليمون، الجزر) وB2 (اللوز، اللحوم، المكاريل، البيض)، وB6 (بذور دوار الشمس، الفستق حلبي، السلمون، الحبش، الدجاج)، وE (المكسرات، والزيوت النباتية، والبذور).

أما الفيتامين D (أشعة الشمس، صفار البيض، التونة، السلمون) فلا تزال الدراسات حتى الآن تتأكد من صحّة ارتباطه بتقوية المناعة، ولكن يبدو أنّ النتائج إيجابية جداً خصوصاً وأنه يساعد على محاربة سرطان الثدي.

الثوم

يساعد على تقوية المناعة والوقوف في وجه البكتيريا والفيروسات والفطريات.

البروبيوتك

عُرفت بأهميّتها في تعزيز صحّة الأمعاء، غير أنّ الأبحاث الحديثة قد وجدت علاقة قويّة بين البكتيريا الجيّدة وأيضاً المناعة».

وختاماً شدّدت ناتالي جابرايان على «ضرورة الإعتدال في كلّ هذه التوصيات المذكورة! يُخطئ كثيراً مَن يفكّر أنّ الإفراط في النوم، وممارسة الرياضة، وتناول الفطر والخميرة والفيتامينات والمعادن وأيّ طعام آخر سيُمكّنه من الحصول على منافع مُضاعفة.

لا بل العكس تماماً، فمن خلال اعتمادكم هذه الطريقة ستُلحقون الأضرار بأجسامكم! لذا إحرصوا على الالتزام بهذه الأمور ضمن المعقول، وتأكّدوا من أنّ ذلك يكفيكم حتماً لتقوية مناعتكم وتحصين صحّتكم ضدّ أيّ عدوّ".

(الجمهورية)