لم نكن نتوهم أن التغيير في لبنان على مستوى التركيبة الطائفية سهلٌ , ولم يَقُل أحد أن المطلوب هو إنقلاب جذري على أصل النظام السياسي , والكل يعلم أن التغيير في لبنان يحتاج الى وقت وصبر ومثابرة مع ملاحظة مهمة هي أن السلطويين وأصحاب النفوذ في لبنان ليسوا أحرارا , وبالتالي ليسوا على قدر المسؤولية , لأن المسؤولية متفرعة عن الحرية , والحرية مرتبطة بالمسؤولية , فلا يمكن أن يكون الانسان مسؤولا إذا لم يكن حرّا , والعكس صحيح .

بناء على أن المسؤولين والزعماء في لبنان لا يملكون حريتهم  , والحرية شرط للنهوض بالمسؤولية , فلا يمكن الرهان عليهم , حتى لو  وعدوا , فوعدهم سراب لا يروي العطشى , وكلام ليلهم الدامس يكشف كذبه نهارُ المواطن الكادح , وحوارهم المخادع تفضحه الطموحات الشخصية .

ظهر ملف الفساد الى العلن , ولم يبق شيء مخفي على المواطن اللبناني , من ملفات الفساد على المستوى الخدماتي , والى الان لم نسمع أحد يقول أن الفساد غير موجود , والكل يقول لا بد من الاصلاح , هذا الكلام متفرع عن إعتراف الجميع بالفساد , حتى السلطة أقرّت بالفساد واعترفت بالتقصير .

ثمة فساد آخر في لبنان هو سبب الفساد الخدماتي , الحاصل الان والذي قَسَمَ ظهر البعير , ومقاربته للمواطن اللبناني قد تكون صعبة لأنه يمس المشاعر الطائفية عند الجميع , وهو تقسيم السلطة والمؤسسات على الطوائف , والاستئثار بها وبالمراكز والوظائف على قاعدة مذهبية الاشخاص , ليس على قاعدة الكفاءة التي تقدم للدولة وللمواطن النجاحات , هذا هو جوهر المشكلة في لبنان , ومنها تتفرّع كل المشكلات , الاجتماعية والاقتصادية والسياسية حتى الثقافية والتربوية .

تصور أن في لبنان لم يصل المعنيون في وزارة التربية الى الاتفاق ومنذ سنوات , على كتاب تاريخ موحد للمدارس اللبنانية , وهذه من أبسط الامور , فكيف بالاكبر منها أهمية , وهي المناهج التدريسية جمعاء .

لقد نخرت الثقافة المذهبية أعماق الوجدان عند المواطن اللبناني , إلا مَنْ رحم ربي منهم , فأي إصلاح تتحدثون عنه وتريدون بناءه على أرض رخوة , وعلى قواعد متفسخة لا تحمل بناءً جديدا , بل لا بد من تأسيس قواعد متينة لبناء لبنان الجديد تبدأ بجدية إلغاء الطائفية السياسة , والعمل الجاد والمخلص لتأسيس الدولة المدنية , التي تضمن الاصلاح الحقيقي , وتحفظ المواطن من التلاعب بمشاعره , من خلال النعرات المذهبية , وإلهائه بترّهات الطائفيين التي تسعى الى تمرير المصالح الشخصية على حساب حقوق الطائفة تارة , وتارة أخرى على حساب الشعارات الاصلاحية والتغييرية الوهمية .