تدفع الاحداث على الساحة اللبنانية الى مزيدٍ من التعقيدات السياسية لأن الطبقة السياسية المفروضة إقليميا ودوليا , لم تكن تتوقع هذا الحراك الشعبي الذي أربك السلطة وأحزابها , فهي إعتادت على نمط من البرامج السياسية المعلبة التي تأتي من الراعي الاقليمي والدولي ,  وهي بالاساس لا تملك قرارا ذاتيا داخليا , وهذه الطبقة السياسية الحاكمة منذ إنتهاء ما يسمى الحرب الاهلية اللبنانية , جاءت نتيجة إتفاق الطائف ولم تستطع تنفيذ هذا الاتفاق حتى وصلت البلاد الى ما وصلت اليه من فساد سياسي وطائفي .

في الواقع لم تكن التركيبة السياسية التي رُكّبت بعد الطائف , تملك أي برنامج سياسي يلحظ المصلحة اللبنانية الوطنية , بل جاءت بمشروع متفق عليه إقليميا ودوليا يلحظ بالدرجة الاولى المصالح الاقليمية والدولية , فلذلك لم تستطع هذه الطبقة السياسية تنفيذ شيءٍ من إتفاق الطائف , لأن  الراعي الدولي والاقليمي الذي رعى الطائف قد سلب من السياسيين الخيار الذاتي , وسلّمت هذه الطغمة السياسية أمرها  أنذاك على الساحة اللبنانية الى الوكيل السوري الذي كان يعامل السياسيين كأولاد صغار , فيأمر ويُطاع , فشهدت تلك المرحلة حتى خروج السوري من لبنان نوعا من الاتفاق السياسي الظاهري , المعقد في الباطن .

فبعد مَقتل الرئيس رفيق الحريري الذي يُعتبر الرمز المتفتق من الطائف , إنتهى الاتفاق السياسي الظاهري , وبرز ما كان مكنونا في البواطن من مشاريع وطموحات , فتعدد اللاعب الاقليمي والدولي , وربط كل طرف نفسه بدولة داعمة أو حامية بشكل علني بلا خوف أو وجل , وتمسك كل فريق بما يمليه عليه راعيه , فكلما إختلف الرعاة في الخارج , تأزمت الساحة الداخلية وتعقدت , وخير دليل على ذلك هو إتفاق الدوحة الذي جرّ اليه السياسيون كالأغنام , وفُرضَ عليهم حلا , وجاؤوا رافعي الرأس بكل وقاحة , ولم يستحوا من الشعب اللبناني الذي وكلهم بشؤونه على اساس أنهم رجالا , ولم يستحوا من أنفسهم لأنهم تمسحوا , واعتادوا على إملاءات الخارج , هذا الخارج الذي من الطبيعي أن يلحظ مصلحته أولا .

فهل نحتاج الى طائف جديد , أو دوحة جديدة , تفرض على السياسيين حلولا , أو تطرح برنامج سياسي تغييري إنقاضا للإرباك الحاصل على الساحة اللبنانية , في ظل هكذا سلطة فاسدة وأحزاب طائفية هي بالاصل مرتبكة ببرنامجها السياسي لأنها لا تملك هامشا واسعا , وفي ظل حراك شعبي يكبر يوما بعد يوم , ويعلو صوت أنينه , أمام سياسيين صغارا جدا , ولا أمل بأي شهامة منهم , ولا كرامة لهم ...