لم يفكّر فريد حمد عندما عرض عليه شقيق زوجته فادي زيدان (ابن شقيقة هيثم الشعبي) أن يتوجّه إلى طرابلس لتوصيل شخصين من هناك إلى عين الحلوة مقابل 100 دولار أميركي. سريعاً لبّى الشاب الفلسطيني، الذي يملك سيارة بيضاء من نوع «مرسيدس»، المهمّة. فتوجّه إلى الشمال وأتى بشخصين إلى عين الحلوة، خصوصاً أنّها ليست المرّة الأوّلى التي يقوم فيها بتسهيل نقل مطلوبين بناءً لطلب زيدان.   نجح حمد في المهمّات السابقة، ليعود ويتّصل به زيدان مساء، ليطلب منه أيضاً إيصال شاب من الشمال إلى المخيّم مقابل المبلغ نفسه. وفعلاً أعاد حمد الكرة، مصطحباً معه هذه المرّة زوجته. تختلف الرواية هنا ما إذا كان زيدان هو من طلب منه اصطحاب زوجته، أم كما يقول حمد أنها طلبت الذهاب معه للنزهة. ومهما يكن من أمر، فإنّ الرجل وزوجته ذهبا إلى طرابلس، حيث التقيا الفار من وجه العدالة في المكان المطلوب ومن دون معرفة هويّته الحقيقية، وإن كان حمد شكّ بأنّ الشاب الحليق الذقن الذي يجلس في الخلف هو شادي المولوي. وهكذا أكمل الثلاثة طريقهم نحو صيدا، حتى توقّفت سيارتهم عند حاجز الأوّلي. حينها طلب العسكري الذي يقف على الحاجز هويات السائق وزوجته والرّجل الذي يجلس في الخلف. أبرز حمد وزوجته ك. ح. هويتيهما الحقيقيّتين فيما أبرز الثالث بطاقة لاجئ فلسطيني، ليتبيّن أن حمد صادرة بحقه مذكرة بلاغ بحث وتحرٍ لمشاركته في إحدى التظاهرات المناهضة للجيش اللبنانيّ. من المؤكّد أن العسكري لم ينتبه إلى القلق الذي اعترى الشاب الذي كان يجلس في الخلف، بل تمّ توقيف حمد وسئل الشاب ما إذا كان بإمكانه قيادة سيارة حمد لإكمال الطريق، من دون أن يكتشف أحد أن الأخير ما هو إلا الفار شادي المولوي. هكذا إذاً، ومن سخرية القدر أنه تم توقيف مهرّب المولوي بجرم المشاركة في تظاهرة، فيما «الإرهابي المطلوب» الذي أطلق النار على الجيش، ساعده الحظّ بأن يقف مع العسكريين من دون الاشتباه به، وإنما أكمل الطريق نحو عين الحلوة! أمس، مثل حمد أمام المحكمة العسكريّة، حيث أبرز رئيس المحكمة العميد الركن خليل ابراهيم صورة للمولوي بعد أن حلق ذقنه وتغيّرت معالم وجهه واكتسب وزناً أكثر. إلا أن الموقوف لم يستطع إكمال استجوابه، إذ أنّه سقط أرضاً وغاب عن الوعي، ليسارع العسكريون داخل قاعة المحكمة إلى حمله ومسح وجهه بالمياه، بناءً لطلب ابراهيم الذي أمر بإخراجه من القاعة وتركه خارج نظارة المحكمة إلى أن يعود إلى طبيعته. وأصرّ حمد أمس أن يأكل ويشرب المياه ويعود إلى قاعة المحكمة لاستكمال الاستجواب بوجهٍ شاحب، فيما ارتأت وكيلة الدفاع عنه المحامية عليا شلحة الطلب من العميد ابراهيم تأجيل الجلسة، ليتم إرجاؤها إلى 12 تشرين الأول المقبل. وكما حضر مهرّب المولوي إلى «العسكريّة»، مثل أيضاً أمامها شقيقه وشقيق «شريكه في الإرهاب». وقف أمير منصور (شقيق أسامة منصور) ونزار المولوي (شقيق شادي) لينفضا أيديهما من أشقائهما، ويؤكّدان أنهما اختارا درباً آخر عنهما. لم يرو نزار الكثير عن تفاصيل حياة شقيقه الأكبر سوى أنّ الأخير «غرّه الإعلام وانغرّ بنفسه»، راوياً كيف أن شادي كان ينصحه بالتوبة إلى الله والابتعاد عن التدخين ولعب الورق، ناعتاً إياه بأنه «متلك متل الطواغيت. وإنت ضال لأنك سلّمت نفسك». صحيح أن الموقوف كان يشارك في العديد من التظاهرات التي يدعو إليها عدد من مشايخ «علماء المسلمين» وكان يشارك فيها شقيقه، إلا أنّه لم يعمد إلى استهداف الجيش ولم يكن حتى قريباً منه (شادي) ومن «العقيدة السوداء» التي أدخلت شبابنا إلى السجون، وفق ما قال. وتحدّث كيف أن شقيقه هو من رمى القنابل على ملالة للجيش في إحدى التظاهرات وأصاب من فيها، وأنّ شخصين أطلقا النار في الهواء يومها هما «أبو ليلى» و«الدندشي». يشير الموقوف إلى أنّ لا اتصال بينهما بعد فراره، وإنما يرجّح أن يكون شادي إمّا في سوريا أو في عين الحلوة. وإذ تراجع نزار عن إفادته الأوليّة بتسمية عدد من الأشخاص بأنهم ينتمون إلى مجموعة المولوي ومنصور، وهم المدَّعى عليهم في هذه القضيّة: محمود كوجة وأمير منصور ونشوان ابراهيم، أكّد أن وضع أهله الاقتصادي جيّد. وبرغم ذلك، تحدّث كيف أنّه يتلقى المال من عدد من السياسيين (500 ألف شهرياً) مقابل رفع صورة هذه الشخصية السياسية وانتخابها وإطلاق النار في الهواء عند المقابلات التلفزيونية! وعلى المنوال نفسه، أنكر أمير منصور أي علاقة له مع شقيقه «أبو عمر» ولم يعمد إلى استهداف الجيش أو ارتكاب الجرائم، مشيراً إلى أنّ شقيقه الذي يكبره بسنتين كان «عنيداً ولم يستمع إلى نصائح شقيقهما الأكبر لأن مرجعيته كانت نفسه، وكان يحبّ الشهرة ويعمد إلى تجميع الشبّان الصغار حوله». روى أمير كيف أن شقيقه لم يكن ملتزماً دينياً وتطوّع في الجيش قبل أن يهرب من الخدمة ليدخل في صراع مع والده، ثم عمل في محل للفول ثم معجنات ومعمل للزجاج حتى استطاع خطبة جارته. وهكذا بدأ أسامة يغيب عن المنزل حتى ذهب إلى القصير مرتين (في المرّة الثانية تمّ إلقاء القبض عليه) ويعود ليطبّق الشريعة «وكان يظن نفسه أنّه الوحيد الذي يسير على الصواب فيما الآخرون على خطأ». كان أسامة في البدء، وفق ما يروي شقيقه، يحمل السلاح ويشارك في المعارك ضدّ جبل محسن وحيداً، قبل أن يعمد إلى إنشاء مجموعة مسلّحة ويحتلّ «مسجد عبدالله مسعود». لا يعرف أمير إلى من ينتمي شقيقه، برغم تأكيده أنّه كان ينتمي إلى «جبهة النصرة» وغير بعيد عن «داعش»، على اعتبار أنّ «كلّ هذه المجموعات تعمل مع بعضها البعض». وخلال الاستجواب نفى الموقوفان الآخران في القضيّة نفسها: كوجة وابراهيم أي علاقة لهما بمجموعة المولوي ومنصور. ولكنّ هيئة «العسكرية» حكمت على الأوّل (محمود كوجة) بسنة حبس، والثاني (نشوان ابراهيم) بسنة ونصف السنة حبساً، وحكمت على نزار المولوي بسنتي حبس مع تجريده من حقوقه المدنية، وعلى أمير منصور بالسجن ثلاث سنوات مع تجريده من حقوقه المدنيّة، بالإضافة إلى الحكم غيابياً على كل من: شادي المولوي وجلال منصور وهيثم الحلاق (في الدعوى نفسها) بالأشغال الشاقة المؤبّدة وتجريدهم من حقوقهم المدنيّة وتنفيذ مذكرة إلقاء القبض بحقهم. وفي «العسكريّة» أيضاً، مثل الموقوف عبد الكريم النشار بعباءته الصفراء وطاقية على رأسه. بدا ابن الـ64 عاماً متماسكاً، ليؤكّد أنّه «لم أشكّل عصابة، وإنّما جماعة لحماية نفسي وعائلتي من التكفيريين الذين هجموا على منزلي مرتين»، مضيفاً: «ماذا كنتُ سأفعل، أنتظر الموت وأنتظرهم كي يقتلوني وأولادي كما حصل في مجزرة حلبا؟ أو ندافع عن أنفسنا بالإمكانيات المتوفّرة لدينا؟». وأشار النشار إلى أنّه «قومي عربي» ينتمي إلى «8 آذار» ويؤيّد «حزب الله»، ولذلك كانوا يريدون مني الانضمام إليهم بالترهيب والترغيب، مشيراً إلى أنّ «جماعة الرئيس (نجيب) ميقاتي، و(النائب محمد) أبوعبد كبارة، و(وزير العدل أشرف) ريفي عرضوا عليه المال مقابل السير معهم، لكنني رفضت ولذلك تعرّضت المضافة التي أملكها إلى قذيفة أر. بي. جي، وتمّ إطلاق النار على منزلي والهجوم عليّ». واتّهم الموقوف الرئيس ميقاتي بأنه هو من كان يقف خلف تهديدات أحمد سليم ميقاتي وعبدالله الجغبير له بطلب من السلفي علي هاجر، لكن رئاسة المحكمة ردّت أن رئيس الحكومة السابق شيء وميقاتي والجغبير شيء آخر باعتبارهما ينتميان إلى «داعش»، ردّ النشار بالقول: «أنا أعرف جيداً من يرعاهما». ولفت النشار الانتباه إلى أنّه لم يشترك في المعارك شخصياً نظراً لسنّه، وأن الأسلحة المصادرة من منزله قديمة ويعود بعضها إلى الثمانينيات، إذ أخذ بعضها من: «الحزب السوري القومي الاجتماعي» ورفعت عيد و «الشيخ بلال» وأخرى هو من اشتراها، نافياً أنّ «حزب الله» كان يمدّه بالمال. ولاحقاً قررت المحكمة الحكم على النشار بالسجن سنة ونصف السنة مع مصادرة المضبوط. كما حكمت على جعفر داعي الإسلام الشهال بالسجن سنتين وإلزامه بتقديم بندقية حربيّة.