وأخيرا أسدل الستار على مشهد فوضوي شهدته الساحة الداخلية تمثل بإلقاء القبض على الهارب من وجه العدالة الشيخ أحمد الأسير في مطار رفيق الحريري الدولي أثناء محاولته المغادرة إلى خارج البلاد بعد ضبطه متنكراً وبأوراق شخصية مزورة .

فما أقدم عليه أحمد الأسير منذ سنتين تقريباً وبفتح معركة مسلحة مع الجيش اللبناني هي مغامرة غير محسوبة النتائج وتمّ تصنيفها في خانة الإعتداء على المؤسسة العسكرية الشرعية الضامنة لإستقرار البلد وأمنه .

ولا يمكن لأي جهة حزبية أو سياسية أو طائفية أن تغطي مثل هذا الإعتداء .

فالشيخ الأسير الذي حاول استغلال تجاوزات عناصر دويلة حزب الله الشيعية مستفيداً من وظيفته الدينية كونه إماماً لأحد المساجد ، ومتوهماً أنه بالإمكان إيجاد حاضنة له يمكن أن يركن إليها وينطلق منها لتفجير أمني كبير قد يجرّ البلد للوقوع في مهاوي الحرب الأهلية .

فإستخدم الخطاب المتطرف والمتشدد الداعي إلى إثارة الفتن المذهبية إلى أن وقع في محظور الإعتداء على الجيش فتحوّل إلى هارب من وجه العدالة وملاحق من قبل الأجهزة الأمنية يتنقل متخفياً من مكان لآخر باحثاً عن ملجأ آمن يجنبه خطر اعتقاله أو القضاء عليه ، فوجد المكان الأكثر أمناً وأماناً في مخيم عين الحلوة ، وربما هذا ما دفعه للتنسيق مع بعض الحالات الإسلامية الفلسطينية المتطرفة والمتشددة .

وفي بعض الإستنتاجات لأوساط دبلوماسية إنّ الأسير كان موجود في بيئة فلسطينية بدليل وثيقة السفر الفلسطينية المزورة التي كان يحملها ما يعني أنه على الأقل في الفترة الأخيرة كان يعيش في مخيم عين الحلوة أو في مكان قريب منه ، وهو ما كانت تردده الأجهزة الأمنية اللبنانية خلال المرحلة الماضية .

وكذلك فإن الأسير كان لا يزال يحظى بتمويل سمح له بالتنكر وشراء وثيقة سفر مزورة والتنقل بكثير من الحرص ما يعني أن جهة كبرى كانت لا تزال تتولى رعايته .

ومن جهتها فإنّ أجهزة الدولة اللبنانية الأمنية كانت تلاحق أحمد الأسير وغيره من المطلوبين طوال الفترة الماضية ، إلا أنه في المدة الأخيرة حصلت تطورات مقلقة داخل مخيم عين الحلوة وتجلت بشهية التيارات الإسلامية المتطرفة بالسيطرة على كامل المخيم .

وهذا الواقع كانت تراقبه مخابرات الجيش وكذلك فإنّ العواصم الغربية التي تجري تنسيقاً دائما مع السلطات اللبنانية حول الأوضاع الأمنية في لبنان وخصوصاً وضع المخيمات الفلسطينية تبدي تخوفها من احتمال سيطرة الإسلاميين على المخيم وتحويله لاحقاً ساحة حرب مع الشيعة في الجنوب .

وأخيراً باشرت هذه القوى الإسلامية المتطرفة تنفيذ خطة دمج بين فصائلها بهدف تطويق حركة فتح وطردها من المخيم ، ولم يكن أحمد الأسير بعيداً عن ذلك لا بل كان في صلب المشروع.

إلا أن الإستقرار الأمني في لبنان الذي تتمسك به العواصم الغربية قد يكون تقاطع مع مصلحة الدولة اللبنانية وربما جاء من يقنع الجهة الراعية للأسير برفع الغطاء عنه ما جعل عملية الإيقاع به أكثر سهولة سيما وأنّ الأسير كان يتحضر للسفر في مهمة تتعلق بمخيم عين الحلوة .

لا شكّ أنه إنجاز كبير حققه الأمن العام اللبناني انطلاقا من غطاء داخلي وإقليمي ودولي يرسم خطاً احمراً كبيراً أمام أي محاولة للعبث بأمن واستقرار الساحة اللبنانية ، وأي اقتراب من هذا الخط يعرض صاحبه للاحتراق ، وإلقاء القبض على الشيخ الأسير هو الشاهد على ذلك .

 

 

طالب ابو الحسن