رغم النفي الأميركي لاتفاق مع تركيا على إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، فإن الأتراك ماضون على ما يبدو بتهيئة الفرص لإقامة هذه المنطقة التي يسمونها «منطقة من دون مخاطر»، ويعملون على تأسيسها بغض النظر عن «الاختلاف اللفظي» مع الولايات المتحدة، كما يقول مسؤول رفيع في الخارجية التركية لـ«الشرق الأوسط»، في حين أكدت مصادر تركية رسمية أن هذه المنطقة «ستقوم في وقت غير بعيد وأن عاصمتها ستكون مدينة أعزاز الحدودية»، التي ستنتقل إليها الحكومة السورية المؤقتة التي أنشأها الائتلاف السوري، والتي ستكون مسؤولة عن إدارة المنطقة، كما كشف رئيسها أحمد الطعمة لـ«لشرق الأوسط»، أمس.   ولا يتوقف المسؤولون الأتراك كثيرا أمام النفي الأميركي، واشار المسؤول التركي لـ«الشرق الأوسط» إلى ان «وكيل وزير الخارجية التركية فريدون سيريليو أوغلو الذي أعلن عن اتفاق مع الأميركيين حول المنطقة هو من يقود المفاوضات مع الأميركيين ويتابع أدق تفاصيلها، ولم ينطق بتصريحاته من تكهنات أو من تقارير مرفوعة إليه»، مشيرا إلى أن تركيا لا تسمي هذه البقعة «منطقة آمنة» بل تفضل تسميتها «منطقة من دون مخاطر»، وأن المنطقة ستكون بطول 98 كيلومترًا، وعمق 45 كيلومترًا، وسيشرف «الجيش الحر» على حمايتها. وتؤكد المصادر التركية أن هذه المنطقة هي «قرار استراتيجي تركي»، موضحة أن التنفيذ بدأ فعليا، والمنطقة سوف تتشكل تركيا من دون تدخل بري تركي، متحدثا عن وجود نحو ألف مقاتل يتدربون حاليا خارج إطار برنامج التدريب الأميركي ويدينون بالولاء للحكومة السورية المؤقتة وللائتلاف السوري سيكونون نواة حماية المنطقة العازلة، مشيرا إلى أن هؤلاء سيتمتعون بغطاء مدفعي وجوي من تركيا و«التحالف الدولي». وأشارت المصادر إلى أن الحكومة المؤقتة أبلغت المسؤولين الأتراك أنها تفضل مدينة أعزاز للانتقال إليها في المرحلة الأولى وممارسة أعمالها، على أن ينظر في الموقع في وقت لاحق وفقا لتطورات الأمور.
  وأوضحت مصادر سورية معارضة لـ«الشرق الأوسط»، أن اجتماعات عمل عدة عقدت بين المعارضة السورية والمسؤولين الأتراك محورها «المنطقة الآمنة» وكيفية قيامها، كما أشارت إلى اجتماع سوف يعقد اليوم بين الأميركيين (يو أس آيد) والأتراك والمعارضة لبحث آليات إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام وسبل توفير الدعم لها. وكشفت المصادر عن اجتماع عقد بين مسؤولي الحكومة المؤقتة ومسؤولين في الخارجية التركية عرضت خلاله خطة الحكومة المؤقتة لإدارة المنطقة الآمنة من كل النواحي. وأشارت المصادر إلى أن الجانب السوري المعارض اقترح قيام منطقة عازلة تمتد 180 كيلومترا وبعمق 50 كيلومترا، إلا أن الجانب التركي أوضح أن هذه الأرقام قد لا تكون مناسبة، مشيرا إلى أن العمق قد يتراوح بين 40 و60 كيلومترا وفقا للحاجة. وأوضحت أن الجانب التركي طلب من الحكومة المؤقتة الانتقال إلى الداخل السوري في أقرب وقت ممكن، ودعاها إلى اقتراح مقر للحكومة للعمل فيه داخل الأراضي السورية، متعهدا بتأمين الحماية والإجراءات اللوجيستية اللازمة.
  وأكد رئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمه التوصل إلى توافق مع الأتراك حول حدود المنطقة الآمنة، لافتا إلى أنها ستكون بطول 98 كلم وعمق 45 كلم أي بمساحة تقريبية نحو 4500 كلم تمتد من غرب نهر الفرات وبالتحديد من جرابلس شرقا باتجاه أعزاز. وأوضح طعمه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة المؤقتة اقترحت على الأتراك إنشاء منطقتين أخريين في سد تشرين قرب نهر الفرات وفي الشيخ نجار، إلا أنها لم تتلق جوابا نهائيا حول هذا الطرح، لافتا إلى أن مقر الحكومة في المنطقة الآمنة وبالتالي مركز العاصمة لهذه المنطقة لم يتحدد بعد، وقال: «طُلب منا أن نجهز ملفاتنا خلال الأشهر الـ3 الماضية، وعلى الرغم من أنّه قد لا يكون من الدقة تحديد موعد إنشاء هذه المنطقة إلا أننا نتوقع أن تظهر ملامحها خلال 3 أشهر أو أكثر بقليل».
  وأكد طعمه وجود اتفاق أميركي – تركي بإزاحة كل المنظمات المتطرفة من المنطقة المنوي إنشاؤها وبالتحديد «داعش» وجبهة النصرة والـ«PYD»، لافتا إلى أن الخلاف قد يكون حول تسمية هذه المنطقة التي قد لا تكون آمنة 100 في المائة ولكنها لا شك ستكون أقل خطورة من غيرها من المناطق. وتابع: «لا شك أنّه لن يُسمح للنظام بأن يستبيحها ذهابا وإيابا كما يفعل حاليا إلا أن المخاطر لا شك تبقى موجودة».
  وشدّد طعمه على أن الاتفاق مع الأتراك يقضي بإنشاء تركيا المنطقة الآمنة على أن تتولى المعارضة إدارتها، فتتولى الحكومة المؤقتة الإدارة في مرحلة أولى على أن يستلم الائتلاف بعد ذلك المهمة. وعن إمكانية استخدام العملة التركية في هذه المنطقة، قال طعمه: «ما طرحه مجلس حلب لا يزال يُبحث بإطار لجان من الاقتصاديين، ونحن لن نتخذ قرارا مستعجلا في هذا الشأن يكون له ارتدادات سلبية على المواطن السوري وعلى مستقبل الليرة السورية، كما أننا نبحث مع الأتراك ما إذا كانت خطوة مماثلة ستضرهم أو تنفعهم باعتبار أن تركيا بلد مصدّر وارتفاع سعر صرف الليرة قد لا يناسبها كثيرا».
  إلى ذلك، لفتت مصادر في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» إلى ان «اجتماعا عقد مطلع الأسبوع بين مسؤولين في الحكومة السورية المؤقتة ووزير التجارة التركي تحضيرا لهذه المنطقة، خلص إلى اعتماد الحكومة المؤقتة المخاطب السوري السياسي والقانوني الوحيد فيما يتعلق بالصادرات من سوريا إلى تركيا وبالعكس». وأشارت المصادر إلى أن البحث مع الجانب التركي تطرق إلى ضرورة قيام منطقة تجارة حرة في المنطقة الآمنة من أجل تشجيع حركة التجارة فيها. وفي المقابل اقترح الجانب السوري أن تكون المنطقة الصناعية في حلب من ضمن المنطقة الآمنة، علما أن هذه المنطقة لا تزال تحت سيطرة النظام الذي سيطر عليها العام الماضي.