إن ليبيا محاصرة بالمشاكل و المؤامرات من كل اتجاه .

نعم تلك الجملة حقيقية ليس بها اى نوع من المبالغة, فاذا كان الجميع يعلم كم المشاكل الداخلية بسبب التناقض بين اهداف و مصالح كل قبيلة و اخرى و حجم بركان الاختلافات الداخلية، و طموح و احلام كل قبيلة على حساب الاخرى او بالاحرى على حساب الوطن نفسه، فالجوار الليبي ايضا يمثل عبئ ثقيل جدا فى عدم تقدم ليبيا و شعبها و جيشها نحو الاستقرار، فدول الجوار الليبي كل يوم تضع مصلحة علاقاتها الدولية خاصة مع الاطراف الاوربية على حساب امن و استقرار الدولة الليبية التى تربطها بها صلة الدم و القومية و الحدود، و باتت كل دولة توجه ازمة ليبيا لخدمة مصالحها او توجهها كما تريد لندن و واشنطن من خلال برناردينيو ليون .

 

فالجزائر بعد ان كان متفق مع مشروع مصر للتدخل العسكري و معاونة الجيش الليبي بشكل مباشر فى حربه ضد مليشيات داعش و اخوان ليبيا تراجع بل و حذر من اى تدخل عسكري فى ليبيا، ثم تذكرت الجزائر أن مصالحها بحوض غدامس النفطي بالحفر المائل أهم من استقرار ليبيا نفسه و من دعم الجيش الليبي لكي يحمى كامل حدود الدولة الليبية و يبسط سيطرته على كل ارجاء ليبيا .

و كما استقبلت الجزائر فى عهد الشاذلي بن جديد راشد الغنوشي اثناء حكم زين العابدين بن علي  لكي تتوسط الجزائر للحكومة التونسية كي لا تنفذ تونس حكم الاعدام على تسعة من أعضاء حركة النهضة الاخوانية، يتكرر نفس المشهد اليوم بعد أن أستقبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للغنوشي لكي يتوسط لدى مصر كى لا تعدم قيادات جماعة الاخوان الارهابية فى الوقت الذى رفض فيه بوتفليقة استقبال رئيس حركة حمس ( اخوان الجزائر ) عبد الرزاق مقري تاركه لـ أحمد اويحيي .

 

و بتونس فمنذ اليوم الاول و طيب البكوش يسير عكس التيار، بداية بانتقاده لفكرة مصر و سعيها فى تشكيل جيش عربى موحد يقطع الطريق على اى تدخل غربى فى البلاد العربية أثناء حديثه الصحفى مع نظيره الجزائرى رمطان لعمامرة، مرورا بانتقاده لاحكام القضاء المصري ضد الاخوان الارهابيين وصولا لتصريحاته بجانب تصريحات السبسي التى باتت توجه بشكل مباشر ضد الجيش الليبي و قيادته .

و بتأكيد بعد تنفيذ مشروع الجدار العازل كخطوة لاعادة ترسيم الحدود مع ليبيا و هو المشروع الذى سيكلف تونس مليارات فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد التونسي ازمة حادة الا و اذا كان تمويل الجدار العازل متفق عليه مع واشنطن بمذكرة التفاهم طويل المدى، فتونس تنوى رسم خريطة حدود جديدة و ليست معنية الان بأساس الازمة الليبية و سبل حلها .

و بتأكيد لن ننسى تونس التى باتت محطة جديدة لقطر لكى تبث من خلالها سمومها ضد الجيش الليبي، فبعد ان بات غرب السودان محطة رئيسية لانطلاق مخططات قطر نحو ليبيا، كذلك باتت تونس لقطر، و لنا عبرة فى زيارة وزير الخارجية القطرى الاخيرة لتونس و ما تلاه من تصريحات من كلا الجانبين القطري و التونسي جميعها تخدم مصالح اخوان ليبيا فقط و تؤكد وجودهم فى المشهد على حساب القبائل و الجيش الليبي نفسه، ثم عمل الدوحة بالتنسيق مع تركيا و اطراف بالاقليم لوقف مساعى مصر الدولية فى رفع حظر تصدير السلاح للجيش الليبي، و هى الخطوات التأمرية التى تمت بتخطيط كامل من لندن .

 

و اذا كان ذلك حال البوابة الغربية للدولة الليبية مع جيرانها بالجزائر و التونس، فالوضع مشابه بالبوابة الجنوبية بالنيجر و تشاد التى تدار كامل سياستهم الخارجية عبر قاعدة المداما الفرنسية، و اذا كانت تونس و السودان محطات هامة لقطر للتدخل فى شئون ليبيا فتشاد و النيجر هم اهم محطات لتجمع المتطرفين الجهاديين من شمال مالي و غرب افريقيا، و برغم عمل القيادة المصرية الدوؤب لتحييد تشاد و النيجر على الاقل تجاه الازمة الليبية و لكن تبقى ارادة تشاد و النيجر الى حد كبير مرهونة بالاليزيه و لمن يدفع أكثر .

 

و مع تزايد العمليات الارهابية بالجزائر و تونس بالفترة الاخيرة علينا ان نتذكر ما قلته بعد مسرحية شارل ابيدو و رغبة واشنطن فى نقل مسرح العمليات من الشام الى شمال افريقيا، و مخطط الناتو للتدخل فى ليبيا مرة اخرى و هو الامر الذى رفضه رئيس الاركان الايطالى عندما صرح بأن أيطاليا ترفض اى تدخل عسكرى خارجى داخل الاراضى الليبية دون موافقة البرلمان و الجيش الليبي نفسه .

 

قد يمثل كلامى بتلك المقالة صدمة لبعض القراء و لكن تلك هى الحقيقة المرة، و لكن ذلك كان الحصار الليبي الجديد الذى شكلته دول الجوار الليبي، و هذا بجانب خلافات و صدمات و توجهات الزنتان و ورشفانة و مصراتة و غيرهم من القبائل، و تلك هى حجم مأساة ليبيا التى بات الجميع يطمع و ينهش بها سواء من الداخل او من كانو على حدودها، او بعض الصغار الذين توهمو للحظة انهم سيحكمون منطقة الشرق الاوسط و هم لا يملكو الا قناة فضائية و حقل غاز .

 

 

فادى عيد

الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط

 

(عبر إيميل الموقع)