وأخيراً تمّ التوقيع على الإتفاق النووي الإيراني بين الفريق الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد رحلة من المفاوضات الشائكة والمثيرة للجدل دامت لسنوات .

وكان الهدف المعلن من تلك المفاوضات هو التوصل إلى إتفاق يحظر على إيران امتلاك السلاح النووي مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها والتي هددت الإقتصاد الإيراني بالإنهيار ، وما يعني ذلك من عودة لإيران الدولة المتفلتة والخارجة على القوانين الدولية إلى حظيرة المجتمع الدولي مثلها مثل باقي دول العالم التي تحترم شرائع المنظمات الدولية والنظام العالمي.

ومع أنه لا زال هناك فترة طويلة وقد تمتد لشهور حتى تظهر مفاعيل هذا الإتفاق وتتم ترجمته على أرض الواقع على عكس ما تم الترويج له من أنه وفور التوقيع سيتم الإلتزام فوراً ببنوده ،  فإنّ ما رشح من معلومات على حواشي الإتفاق يؤشر إلى أن النتائج لم تكن بالمستوى الذي يحقق الهدف الذي انطلقت على أساسه المفاوضات ، إذ أنّ الدول ألست الكبرى لم تحصل على ما تريده فيما يتعلق بالمسألة النووية حيث أنه تم تأجيل تصنيع طهران لقنبلة نووية لمدة تتراوح بين ثماني وعشر سنوات ولم يتم الإتفاق على حرمانها من إمتلاك القنبلة نهائياً .

وفي المقابل فإنّ إيران لم تحصل على ما أرادت فيما يتعلق برفع العقوبات التي فرضتها واشنطن والأمم المتحده والإتحاد الأوروبي فوراً ، فرفع العقوبات سيتم بالتدريج وفقاً لبرنامج زمني يضع إيران تحت المراقبة الدولية وعلى ضوئه يتم التدرج في رفع العقوبات.

وفي سياق القراءة المتأنية لفحوى بنود الاتفاق ، فإنّه يمكن رصد جانب أساسي ومهم يؤشر إلى أنّ إيران وضعت نفسها تحت شكل من أشكال الوصاية من قبل الدول الست الغربية وبمباركة الأمم المتحدة وتحت المراقبة الدولية المتشددة والدقيقة.

فالإبقاء على الملف الإيراني مفتوحاً لمدة خمسة عشر عاماً على الأقل ، يتم بذلك توجيه رسالة إلى العالم أجمع مفادها أن إيران ليست عضواً طبيعيا في المجتمع الدولي ، وكذلك فإنّ الدول الست الكبرى التي تتصرف كقاض وهيئة محلفين وسلطة تنفيذية تشكل لجنة من أجل ممارسة الرقابة على إيران ، ومن المقرر أن تلتقي اللجنة كل عامين أو أقل من أجل تقييم أداء طهران التي تخضع للمراقبة ومدى التزامها بتنفيذ ما تم الإتفاق عليه.

والأهم من ذلك أن للدول الست الحق في تحديد المبالغ المالية التي يمكن لإيران إنفاقها من دخل النفط ، وقد صرح بذلك الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الفرنسي هولاند بأنه لن يتم السماح لإيران بالإنفاق كما تشاء ، فمخارج صرف الاموال الإيرانية ستخضع للرقابة. وبذلك فلا يحق لطهران أن تنفق الأموال التي يتم استعادتها بعد تحريرها من الحظر كيفما تشاء على ميليشياتها ومجموعاتها المسلحة المنتشرة في أكثر من دولة من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن وباقي المتفرقات .

وإذا كان الإمام الراحل آية الله روح الله الخميني (قدس ) قد اعتبر أنّ مجرد الموافقة على قرار إيقاف الحرب العراقية الإيرانية هو تجرع كأساً من السم ، لكنه لم يخضع أي جانب من جوانب السياسة الإيرانية للوصاية الأجنبية.

أما اليوم فإن النظام الإيراني في ظل ولاية المرشد الأعلى السيد علي الخامنئي ، فإن ايران بعد الإتفاق النووي دخلت مرحلة وصاية الدول الغربية عليها وعلى قراراتها الإستراتيجية وعلى سياستها الخارجية بما في ذلك حجم التمويل لميليشياتها وفي مقدمتهم حزب الله .