ليس خافياً أنّ العماد ميشال عون يتلطى وراء شعاراً فضفاضاً يتصل بدفاعه عن حقوق المسيحيين والشراكة في الحكم من أجل الدفع بأنصاره للنزول إلى الشارع سعياً وراء وسيلة ضغط فشل في ممارستها على طاولة مجلس الوزراء بهدف تحقيق مطالب شخصية وخاصة به.

والدعوة للنزول إلى الشارع هي عملية عرض عضلات جديدة يستخدمها العماد عون لتوجيه عدة رسائل في عدة اتجاهات .

فهو أولاً يستهدف حليفه حزب الله لإحراجه ودفعه نحو موقف أكثر تضامناً معه لأدراكه أن هذا الحليف لا يمكنه التخلي عنه وهذا يعود لحجم الخدمات السياسية التي يقدمها عون إلى حزب الله.

والرسالة الثانية بإتجاه رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع لدفعه إلى إعادة النظر في حساباته ومواقفه نتيجة استعراض القوة والتمثيل الذي يسعى إليه عون على إيقاع الاستفتاء الذي دعا إليه.

أما الرسالة الأهم فهي بإتجاه رئيس الحكومة والفريق السني الذي يمثله تيار المستقبل عندما قرر مواجهة الحكومة في الشارع وساوى بين (السيف الذي يقضي على المسيحيين في الدول العربية وخصوصاً في سوريا والعراق وبين القضاء على المسيحيين في لبنان في السياسة  )الأمر الذي دفع بأوساط رئيس الحكومة تمام سلام للإعراب عن أسفها لما آلت إليه أمور العماد عون فدفعته إلى هذه المقاربة المرفوضة شكلاً ومضموناً ، مشيرة إلى أن هذه المقارنة بين فريق لبناني وطني وتنظيم إرهابي تدل على أن الرجل يتصرف بعصبية شديدة. 

وقد باتت مواقفه المرتبطة بحسابات شخصية لها علاقة بترشحه لرئاسة الجمهورية وترشيح صهره العميد شامل روكز لقيادة الجيش ، مصدر قلق وخطر على صيغة التعايش بين مختلف الطوائف اللبنانية.

واقع الأمر أن الكلام عن حقوق المسيحيين لا يجد صدى إيجابي لا في الداخل اللبناني ولا في الخارج ، فلا الافرقاء المسيحيون يندفعون في دعم ما يقوله العماد عون أنها حقوق المسيحيين ولو أنه يحاول أن يحرج هؤلاء ، وحتى حزب الله حليف عون لا يحبذ النزول إلى الشارع خوفاً من أيّ محاولة لأي جماعة إرهابية مشبوهة إستغلال الفوضى والإقدام على عمل إرهابي قد يؤدي إلى فتن طائفية ومذهبية .

القوى الخارجية وخصوصاً  تلك الدول الداعمة تقليدياً وتاريخياً للمسيحيين ليست في موقع من يرى أولوية لهذه المطالب التي يطلقها الزعيم العوني .

وقد كشفت مصادر دبلوماسية مطلعة أنه لا يوجد أحداً من رؤساء البعثات الدبلوماسية المؤثرة والفاعلة يعتبر أن ما يطرحه عون هو فعلاً حقوقاً للمسيحيين ، لذا فليس هناك من يبدي استعداداً لأي تعاطف ضمني أو علني مع هذه المطالب ولا يتم التعاطي معها أكثر من كونها سياسة محلية تتعلق بالحصول على مطالب محددة لتيار الوطني الحر إن في ما يتصل برغبة العماد عون في انتخابه رئيساً للجمهورية أو في رغبته في تعيين صهره قائداً للجيش .

وقد لا نكون بحاجة للتأكيد على أن من يتباكى على حقوق المسيحيين هو نفسه من يعطل الدور المسيحي الوطني من خلال إصراره على تعطيل جلسات إنتخاب رئيس للجمهورية ، ومن خلال محاولته تعطيل عمل الحكومة إن بتفجيرها من الداخل أو إسقاطها في الشارع .

لكن ما لا يعرفه عون هو أن الحكومة لديها من المناعة السياسية داخلياً وخارجياً ما يجعلها عصية على السقوط ، وإن رئيسها ليس مكسر عصا لصبيان عون وهوسه .

وعليه فإن دعوة عون أنصاره للنزول إلى الشارع تبقى حركة بلا بركة وهذيان سياسي وليس أكثر من زوبعة في فنجان .