التفجير الإرهابي الذي شهدته العاصمة المصرية القاهرة الأسبوع الماضي وذهب ضحيته النائب العام هشام بركات وما أعقبه من تفجيرات طاولت مؤسسات عسكرية وأمنية وعمليات في منطقة سيناء يؤكد على أن طرفي الصراع في مصر لديهما الإرادة والقدرة على مواصلة حربهما حتى قضاء أحدهما على الآخر.

ومع أنالدولة المصرية المدعومة بأغلبية شعبية كبيرة هي أقرب إلى النصر على الجماعات الإسلامية المسلحة المتوالدة من رحم الإخوان المسلمين ، إلا أنّ الحرب لا تبدو نهايتها قريبة مع تكاليفها المادية والسياسة والأخلاقية الباهظة ، ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين الأقرب إلى الهزيمة قد تخسر معاركها مع الدولة وقوى الأمن وأغلبية الشعب المصري كما خسرتها سابقاً في عصور الملكية وعبد الناصر والسادات ومبارك لكنها في الأغلب ستحافظ على وجودها الفكري والسياسي ، وذلك يعود إلى سبب أساسي ومهم وهو أنّ الدولة تعتمد في صراعها مع الإخوان على الحل الأمني وتهمش الحل السياسي ولا تتعامل معه بالجدية المطلوبة ودون أنّ تقدم مشروعاً فكرياً وسياسياً بديلاً .

وفي تجربة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي في التعامل مع الإخوان والإسلاميين تبدو الأوضاع أكثر تعقيداً .

ذلك أنّ السيسي ورث تركة من المشكلات والتحديات والأزمات من دون أن يطرح برنامجاً سياسياً أو أن يكون لديه مشروع أو رؤية متكاملة ، ربما لأن المعارك التي خاضها ضد الإخوان وتهديدات الجماعات الإرهابية والتفجيرات التي قامت بها في سيناء وعلى حدود مصر أجبرته على العمل قبل التفكير أو البحث عن رؤية سياسية وإنشغل بإستعادة الأمن والإستقرار ومحاولته المبادرة إلى حل أهم المشكلات الموروثة عن حكم الإخوان ونظام مبارك خاصة تدهور الخدمات والإنقطاع في الكهرباء .

ويمكن القول أنّ شرعية السيسي وجمهوريته تأسست على العداء للإخوان ومواجهة الإرهاب ، إلا أن هناك حقائق لا يمكن إغفالها وهي أنّ أحكام السجن والإعدام التي تتهدد صدرت بحق قيادات الإخوان كانت من محاكم عادية ولم تلجأ الحكومة إلى محاكم عسكرية أو استثنائية ومع ذلك لم ينفذ أي حكم بالإعدام على قيادات أو أعضاء في الجماعة.

وكذلك فإن السيسي وفي مناسبات عديدة أعلن عن رغبته في التعامل مع أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين كمواطنين لهم الحقوق والواجبات كافة بما فيها العمل السياسي شرط عدم تورطهم في أعمال عنف وإرهاب .

يبدو واضحاً أنّ النظام المصري لا يمتلك اليوم رؤية أو تصوراً سياسياً محدداً للتعامل مع الإخوان بعيداً عن الحل الأمني ، وبالتالي فإنّ الخطاب الإعلامي السائد يركز على إجتثاث هؤلاء الجماعات الإرهابية من المجتمع المصري ويرفض أفكار المصالحة أو استيعاب الجماعة أو أفراد منشقين عنها ضمن النظام السياسي .

غير أنّ خطاب العداء واعتبار الإخوان كلهم شلة أشرار يبتعد عن المنطق والواقع ومن ثم لن يؤدي إلى نتائج إيجابية .

سيما وإنّ التحالف بين المكونات السياسية والحزبية المصرية الذي أطاح بالإخوان إنتهى سريعاً ، والقوى التي كان يتشكل منها هذا التحالف دخلت في صراعات مكشوفة فيما بينها ، وهذا أدى إلى تبديد طاقة الحكم الجديد لبناء تحالفات وشراكات وطنية واسعة يمكن أن تتبنى مشروعاً تنموياً يقوم على التعددية والديمقراطية وإحترام الدستور واستيعاب كل الفرقاء ومشاركتهم.

وتبدو اليوم الحاجه ماسة لمشروع تنموي ديمقراطي مدني حقيقي ينقذ مصر والمنطقة العربية من مخاطر التطرف وتوظيف الدين في السياسة .