إحتلت المملكة العربية السعودية مرتبة المتهم الأول في خطاب حزب الله في ملف الأزمة السورية، لا سيما مسؤوليتها عن فصل الإرهاب في كتاب تاريخ الثورة. تدرج الحزب ومسؤولوه في الإشارة اليها بأصابع الإتهام، كدولة بكامل مؤسسات نظامها السياسي، بعد أن كان الإتهام يطال شخصيات محددة كالأمير بندر بن سلطان.

لم يقدم حزب الله دليلاً واحداً يسند إتهاماته. لا يحتاج إلى ذلك. فهو يخاطب جمهوره، أولاً وأخيراً، مدركاً أن هذا الجمهور قابل سلفاً لأي إتهام يؤذي سمعة السعودية.

الإتهامات هذه، جزء من صناعة وتأبيد صور نمطية عن الخصم، وهي إستراتيجية يجيدها حزب الله، لتأطير علاقته وعلاقة جمهوره مع الخصوم عامة وفي حالات الإشتباك معهم على وجه الخصوص. فالسعودية هي دولة إرهاب وتطرف وحسب. لا سياسة، ولا مصالح أمنية وإستراتيجية وعقائدية تقود خيارات الرياض. فقط رغبتها بالإرهاب ورعايتها له وشهيتها لتعميمه، هو ما يحرك القرار السياسي والأمني فيها. وهي لذلك صنعت داعش وربتها وصدرتها وحمتها ومولتها وزودتها بالمعلومات الإستخبارية، كما ترعى البيئات الحاضنة لها خارج السعودية عبر عملاء ميدانيين وشيوخ مأجورين ومؤسسات. وكذا فعلت مع جبهة النصرة وغيرها.  

لا شك ان جسم السعودية “لبِّيس”، بالإستناد إلى تاريخ العلاقة بين المؤسسة السياسية السعودية وبين التطرف الإسلامي، إن لناحية طبيعة نظام الحكم في المملكة ومرتكزاته التأسيسية ومصادر شرعيته، أو لناحية العلاقات العملانية بين النظام السياسي والأمني السعودي والتنظيمات المتطرفة التي قاتلت الاتحاد السوفياتي في افغانستان بدءاً منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي وحتى هزيمة السوفييت وسقوط الإتحاد!

هذا زمن لم تغادره السعودية بحسب حزب الله الذي ينوب عن إيران في مهمته هذه. هو زمن المملكة الدائم وكل ما عدا ذلك لحظات عابرة تخترق هوامشه كما يخترق البرق سماء حالكة.

حزب الله لا يستريح في مواجهة سياسية مع خصومه تقوم على الحجة والإقناع وتفكيك وجهة النظر المقابلة. هذه جهود تضييع وقته وتضعف المناعة التعبوية لبيئته وجمهوره. فالاسئلة تجر الاسئلة والإجابات الناقصة والمرتجلة بخطورة الاسئلة ما لم تكن أكثر. الإتهامات والصور النمطية هي الحل.

ولأن الحزب يدرك فداحة الخروق في إستراتيجية التنميط التي يعتمدها، تراه يكثر من الإتهامات ومن تكرارها في كل خطاب ومناسبة.

كيف سيشرح حزب الله لجمهوره أن مملكة الارهاب تقاتل داعش عبر تحالف دولي في سوريا والعراق، إن كانت المملكة وإستخباراتها هي من ترعى داعش؟ كيف سيشرح لهم ان المملكة وحلفاءها هم في رأس قائمة اهداف داعش، إن كانت المملكة واستخباراتها هي من ترعى هذا التنظيم؟ كيف سيشرح لهم أنه هو لم يقاتل داعش، ولا قاتلها حلفاؤه بشكل جاد حتى الان؟

في الحروب، تكون الحقيقة هي أول الضحايا. القوة السعودية الخشنة، كأي قوة، تخلق سياقات تسمح للدعاية المضادة بأن تجد مكاناً  لها وتوفر معطيات للخصوم كي يمضوا بقراءاتهم وإتهاماتهم، لا سيما في الشرق الاوسط حيث الإنتصارات بطعم الهزائم والهزائم بنكهات الإنتصار العديدة. إنتصار الكرامة. إنتصار العزة. إنتصار الإرادة الوطنية… وبقية التشكيلة!

إزاء القوة الخشنة، يعثر حزب الله على ما يفيد دعايته المضادة تجاه المملكة وسياساتها وخياراتها. وبوسعه بالتالي أن يمضي في نسب داعش الى السياسة السعودية. فمشاركتها في الحرب على التنظيم ليست سوى خيار أُرغمت عليه لإرضاء واشنطن. أو عملية تمويه للتغطية على رعايتها له. أو سياسة مزدوجة تسمح لداعش بالإستمرار ولكن تضبط قوته ونموه وتبقيه في حدود تسمح لها هي أن تتحكم فيه وبمستقبله. 

فضيحة دعاية حزب الله جاءت من القوة الناعمة السعودية. بحلقتين تلفزيونيتين سوت السعودية عمارة هذه الدعاية بالأرض. لم يحتج الكاتب والمخرج السعودي خلف الحربي، والممثل السعودي الموهوب ناصر القصبي، والشاشة السعودية الاولى “إم بي سي”، إلا الى ساعتين تلفزيونيتين من برنامج “سلفي” الساخر لهدم كل الإتهامات ضد الرياض.

ما كان لأحد أن يتوقع من مثقفين سعوديين وشاشة سعودية أن يذهبوا بتهشيم داعش ومشروعها وخليفتها وفقهها وجهادها ورايتها الى هذا المستوى. بل لم يصل الى هذا المستوى حتى خطاب الدعاية الايرانية نفسه الذي حاول “توحيش” صورة داعش الوحشية أصلاً، أكثر مما هي في الواقع.

وفعلوا ذلك عبر القوة السعودية الناعمة التي تصل الى كل بيت، بأناقة ووضوح، تفتقرهما الصور التي تنتجها القوة الخشنة في ميادين الحروب والقتال. ومن البيوت التي وصلها “سلفي” بالتأكيد، بيوت البيئة التي صدع حزب الله رأسها بالحديث عن نسب داعش السعودي الى حد إعتبارها جزءً من دولة الظل في المملكة. فمن لم تصله الحلقات عبر الشاشة، لأنه كان يتلهى بمتابعة هواية حزب الله الجديدة “بتسلق” تلال القلمون السوري، وصلته الحلقات عبر مواقع التواصل الإجتماعي التي ملأ الحربي والقصبي دنياها وشغل ناسها لأسابيع!

ماذا سيقول حزب الله الآن لجمهوره عن السعودية ورعايتها للإرهاب؟ هل سيقنعهم بأن مخاطبة مئات الملايين من الناس عبر شاشة “ام بي سي” بأكثر اساليب النقد راديكالية هو مجرد مناورة؟ أم سيقول لهم أن الحربي والقصبي إنشقا عن بلادهم أو أنهما لا يمثلان السعودية التي يسعى حزب الله لتأبيد صورتها في إطار دولة الارهاب؟ كيف سيسند حزب الله أكاذيبه ودعاية انتاج الكراهية التي يديرها عبر ماكينة إعلامية مباشرة وغير مباشرة؟ وبماذا سيرد على القوة السعودية الناعمة التي فضحت، بحلقتين، هراءه عن الإرهاب والإرهابيين والتطرف والعقول المغلقة والتنابل؟

ليشاهد قادة ومسؤولو حزب الله، برنامج “سلفي”، لكن ليحذروا من التقاطها لأنفسهم. أجزم أنهم لن يحبوا وجوههم في الصورة.