ربّما انتهت الاشتباكات الأخيرة في بلدة السعديّات، والتي سقط بنتيجتها عدد من الجرحى، إلى ما انتهت إليه. لكنْ لا يُستبعَد أن تكون هذه الاشتباكات أكثر من مجرّد "اشتباكات"، وأن تفضي إلى محطّة جديدة في الصراع اللبنانيّ – اللبنانيّ تكون أبعد وأخطر ممّا تفضي إليه "الاشتباكات".

 

هكذا، مثلاً، وتحت وطأة تقدير كهذا، أو رغبة فيه، رأينا صحيفة ممانعة تُعنْون خبرها عن السعديّات بـ "بروفا لـ 7 أيّار جديد؟".

 

ففي الخلفيّة أنّ العلاقات متوتّرة بين عرب المسلخ المناصرين لـ"تيّار المستقبل" و"سرايا المقاومة" التي تأتمر بأمر "حزب الله". ولئن عاد التوتّر إلى أيّار (مايو) 2008، حين استولى "حزب الله" وتابعوه على بيروت، فقد عاد ليتصاعد في أيلول (سبتمبر) 2012، مؤدّياً إلى اشتباك اختُتم بمصالحة تقليديّة.

وأغلب الظنّ أنّ التوتّر "السياسيّ" والطائفيّ يجد ما يغذّيه في تحوّلات سكّانيّة، منها التمدّد السنّيّ، لأسباب اقتصاديّة محضة، خارج بيروت، مقابل التمدّد العقاريّ الشيعيّ الذي يرى المتخوّفون منه أنّ "الحزب" يستغلّه لإقامة مخازن للأسلحة ومراكز عسكريّة.

 

ثمّ إنّ وقوع السعديّات على طريق بين الجنوب والضاحية الجنوبيّة – بيروت يضيف إلى القضيّة عنصر تأزيم إضافيّ، إن لم يكن العنصر الأهمّ.

 

إلى ذلك فالرمز متوافر، والحروب تستدعي الرموز التي يسهل تحويلها إلى ذرائع وقضايا. فهو، هنا، إنشاء المصلّى الشيعيّ وبثّه الأذان المرتفع في رمضان. وبحسب التغطيات الصحافيّة، أضيف إلى المصلّى ورفع الأذان "وضع "الندبيّات" على مكبّرات الصوت، وفي سيّارات رباعيّة الدفع تابعة لسرايا المقاومة تجول في البلدة باستمرار". كما وصل الأمر "إلى تسيير دوريّات ليليّة من قبل سرايا المقاومة تجوب أحياء السعديّات بانتظام بسيّارات ذات زجاج داكن".

 

وفي آخر المطاف فإنّ خليط الخوف والشعور بالاستفزاز قائم لا يعوزه إنشاء مصلّى: فالمشاعر الشيعيّة تستولي عليها المخاوف من جرّاء هزيمة محتملة في سوريّا، ومزيج من الوقائع والمبالغات حول توسّع الجيب التكفيريّ، فيما المشاعر السنّيّة تتحكّم بها مخاوف مضادّة وكثيرة وجدت ما يؤجّجها، قبل أيّام قليلة، في شريط التعذيب في روميه. 

 

هكذا استنفرت اشتباكات السعديّات أطرافاً كسراج الدين زريقات، قائد "كتائب عبد الله عزّام"، الذي دعا "سنّة لبنان" إلى حمل السلاح، لأنّ "افتتاح حسينيّة في منطقة السعديّات من قبل حزب الله استفزاز للسنّة"، أو كـ "هيئة علماء المسلمين" في طرابلس التي دعت إلى النزول وقطع الشوارع.

 

 

وغنيّ عن القول إنّ الدولة طرف عاجز فيما السلاح متوافر بغزارة، وإن كان التفاوت ضخماً بين سلاح "الحزب" وسلاح خصومه.

 

هذا كلّه يقع في الخلفيّة، القريب منها والبعيد. أمّا ما يعطي هذه الخلفيّة طبيعة انفجاريّة، أو ينزعها عنها، فهو ما درجت الصحافة على تسميته بـ "القرار الإقليميّ" الذي ينقل اللبنانيّين من مواجهاتهم في عرسال، وقبلها في طرابلس، إلى المواجهة على أبواب بيروت. فهل ثمّة "قرار إقليميّ" بهذا المعنى، حتّى لو اتّخذ شكل الإهمال لـ "الساحة اللبنانيّة"، أم أنّ "القرار" والإهمال لا يزالان يعملان على إبعاد الكأس عن شفة العاصمة؟

 

... في هذه الحدود، "وعي اللبنانيّين" هو ما لا يُعوّل كثيراً عليه.