عشر سنوات على غياب جورج حاوي، هذا الإسم الذي لا يحتاج لأي لقب قبله ولا لأي صفة للتعريف عنه، هو إسم يحمل بين أحرفه كل معاني التضحية والمقاومة والوطنية والإخلاص والحرية  ونبذ الإرهاب والعنصرية والطائفية والمذهبية.

عندما كان جورج حاوي حيّاً، كان مالئ الدنيا وشاغل الناس بمبادراته وحيوته ومجابهته للظلم من أي جهة أتى، وبعد إستشهاده، تكاثروا المتحدثين بإسمه والوارثين لتاريخه وإرثه، فنجد من يستخدم إسم جورج حاوي لتغطية مواقفه التي تتناقض مع مبادئ وخيارات وقناعات وسياسات أبو أنيس التي لطالما أعلنها صراحةً ، وتحدث عنها في الإعلام وناضل من أجل تحقيقها، وأولى هذه القناعات هي الوقوف إلى جانب الشعوب وحريتها وعيشها الكريم وكرهه لأنظمة القمع والإستبداد .

ولم يخفِ جورج حاوي معارضته للنظام الأمني اللبناني السوري المشترك أيام الوصاية، وأعلن صراحةً وقوفه إلى جانب الشعوب ضد الطغاة المستبدين في كل زمان ومكان، وهو الذي قال للطغاة : " أزيلوا تماثيكم قبل أن تزيلها الشعوب، وتنازلوا لشعوبكم قبل أن تزيلكم عن عروشكم البالية "، وهو دفع حياته ثمن هذه المواقف .

فإحياء الذكرى العاشرة لإستشهاد جورج حاوي يجب أن تحترم قناعات هذا الشهيد الكبير وأن تكون مناسبةً لإستكمال نضاله خدمةً للأهداف التي إستشهد من أجلها، لا أن تكون مناسبة لتناتش تاريخه وإستخدام إسمه ورصيده لتغطية عيوب المواقف السياسية الملتوية لمن يدّعي وراثته، وتحويل الذكرى إلى مناسبة  لإطلاق مواقف وخطابات تصب في مصلحة القاتل صاحب الوجه المعروف والمكشوف، فجورج حاوي لم يُقتل بحادث سير، بل قُتل لأسباب سياسية واضحة، ومن يعرف نشاط جورج حاوي  وأين كان قبل إستشهاده بيوم واحد وإلى أين كان ذاهباً ومن أجل ماذا، يعرف من هو القاتل ولماذا قُتل .

قبل يوم واحد من إغتياله، كان جورج حاوي في الشمال، وفي طرابلس تحديداً ، المدينة التي أحبها، يخوض معركة رفيقه إلياس عطاالله في الإنتخابات النيابية، وقبل الإنتخابات دافع عن ترشحّه في طرابلس، وعندما شنّت قوى ٨ آذار حملة ضد الياس عطاالله منتقدةً ترشحه عن طرابلس وهو من خارجها، كان جواب جورج حاوي يومها: " عندما كان إلياس عطاالله يقاوم في بيروت والجنوب والبقاع ضد العدو الصهيوني ويناضل في طرابلس دفاعاً عن المدينة وأهلها، لم يستأذن أحد ولم يسأله أحد عن منطقته وعن ضيعته... !!!! "

في ذلك النهار الطويل، كان جورج حاوي يعمل بكل طاقته ويجري كل إتصالاته ويحشد كل معارفه ومحبيه ومؤيديه من أجل التصويت لصالح الياس عطاالله وكان يتكلم عن أهمية الفوز بهذا المقعد، ولم يكن يعلم بأنّ  المرشح العوني فايز كرم ، منافس إلياس عطاالله، هو عميل إسرائيلي سينكشف أمره لاحقاً، وللأمانة ، فإن الدور الذي لعبه جورج حاوي في إنتخابات الشمال كان له تأثير واضح في العملية الإنتخابية، وأعطى للمعركة بعداً وطنياً ونكهة مختلفة، ما أزعج حلفاء النظام السوري في لبنان، لأنه بمشاركته هذه، عطّل خطابهم التخويني وردّه على أصحابه،  وعندما فاز إلياس عطاالله وأصبح نائباً، إتفق معه على جلسة خاصة في مطعم "الغندول" لوضع خطة عمل تتعلق بالعمل النيابي وكيفية تفعيل هذا المقعد، لكن القاتل المجرم كان يراقب جورج حاوي ويعرف بكل تحركاته ونشاطاته، فعمد إلى إغتياله قبل الوصول إلى الإجتماع في "الغندول" .

 وهذا الإغتيال جاء من ضمن مسلسل إجرامي إستهدف شخصيات بارزة وفاعلة ومؤثرة ومعارضة للوجود السوري في لبنان ، فإستهدف سمير قصير قبل ٢٠ يوم فقط من إغتيال جورج حاوي ولنفس الأسباب وبنفس نوع العبوات التي حملها الإرهابي ميشال سماحة من سوريا إلى لبنان .

 وبالمناسبة، فإنّ من يتحدث  بمناسبة الذكرى العاشرة على إستشهاد جورج حاوي وقبلها وبعدها، وهو يجهّل القاتل ويتحالف معه ويبدي إستعداداً للقتال إلى جانبه، فهو يغتال جورج حاوي مرّة ثانية. 

فجورج حاوي الذي واجه السوفيات عندما وجد بأن سياساتهم في الشرق الأوسط لا تتناسب على الدوام مع مصالح شعوب المنطقة، وناصر العمال والفلاحين والطلاب والنقابات والتعليم الرسمي والجامعة اللبنانية ، وحمل همّ القضية الفلسطينية وناضل طويلاً من أجلها دون أنّ يمنن الفلسطينيين بنضاله وقاوم الإحتلال الإسرائيلي الأول في العام ١٩٧٩ وأطلق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) في ١٦ أيلول ١٩٨٢ بعد الإجتياح الإسرائيلي الثاني وساهم في تحرير بيروت ودحر الإحتلال وساهم في إيقاف الحرب الأهلية عندما أيد إتفاق الطائف وبدأ مسيرة تكريس الإستقرار والسلم الأهلي وواجه الوصاية السورية....الخ، إسم جورج حاوي الذي يحمل كل هذا  الإرث المقاوم والرافض للظلم والإرهاب من أي جهة أتى ومن موقعه الوطني لا الطائفي أو المذهبي ، لا يمكن أن ينحاز إلى طاغية أو جلاد أو مجرم تحت أي ذريعة كانت، ويترك الشعب فريسة الإجرام والإستبداد والإرهاب، جورج حاوي كان ضدّ إرهاب الأنظمة وضد إرهاب التنظيمات ولا يفاضل بينهما، كان ضدّ القوى الظلامية وضد القوى التكفيرية، فمن يريد إحياء ذكرى إستشهاد جورج حاوي، عليه أن يكون وفي لتاريخه ولذكراه .