يدين الموحدين الدروز بالإسلام ديناً، وبالتوحيد مذهباً وعقيدة. مذهبهم ليس ديناً تبشيرياً ولا تصوفاً مطلقاً أو رهبنة، بل هو فرعٌ من فروع الدين الإسلامي. برز في الإسلام وترعرع مع الشيعة وتبلور في الاسماعيلية، وبدت معالمه وانضمت في مذهب التوحيد الفاطمي، ليستخلص القول أن المذهب التوحيدي على اجتهادات لم تأخذ بها بعض المذاهب الإسلامية الأخرى، لكنه بالرغم من ذلك متفرع من الدين الإسلامي وأن مصادر التشريع تنحصر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ثم اجتهادات الأئمة وكبار دعاة المذهب التوحيدي ومنظمي أصوله وفروعه.

 

 الموحدين الدروز، بغض النظر عن توزعهم الجغرافي بهويتهم الثقافية والدينية وخصوصيتهم المذهبية، ويقاومون بالقدر عينه كل الطروحات الانفصالية أو التقسيمية، مؤكدين ما قاله أحد أبرز زعمائهم كمال جنبلاط بأن لا تعارض بين انتمائهم العربي العميق وبين هويتهم اللبنانية الوطنية، وعلى الرغم من كونهم أقلّية مذهبية وطائفية لم يشعروا يوماً بالعقدة الأقلويّة على المستوى الوطني أو القومي فقد اعتبروا أنفسهم دوماً جزءاً من الأكثرية العربية والإسلامية مميزين بين شخصيتهم الوطنية والقومية، وهذا ما يؤكد خصوصيتهم واندماجهم في آن معاً.

الخلوة بيت العبادة عند الموحدين الدروز وهي مكان متواضع خالٍ من كل زينة وزخرف وترف، يجلس فيها الأجاويد وعلى الأرض بكل بساطة ودون تكلف، يجد الطالبون فيها طلبهم ليحيوا فيها حياة روحية جميلة يُعمّقون أثناءها اطلاعهم وتأملاتهم الروحية.

 

عند الموحدين تبدأ حياة الإنسان منذ لحظة ولادته بعد أن يكوّن جنيناً من أب وأم، وكان ثمرة زواجهما فيحسبانه بركة من الله تعالى ويتعهدانه بالرعاية والعناية والتربية، أما تربية الولد عند الموحدين فقليلاً ما تختلف عن تربيته بحسب المفهوم الإسلامي وما تفرضه معظم الأديان، وتقتضي البدء بتلقينه أصول ومبادىء الدين الإسلامي وتعاليم المذهب التوحيدي. والزواج عند الموحدين هو سنة من سنن الأنبياء وِشرعة من شرائع البقاء وصون عن الفحشاء ووقاية من رب الأرض والسماء. والزواج في الدين الإسلامي لا يُسمى مقدساً كما هو الحال في الدين المسيحي وكذلك عند الموحدين الدروز، إذ هو عقد مبنيٌّ على الإعلان والوضوح والقبول على قاعدة مفاهيم الشرف والدعم والحقوق المتوازية بين الرجال والنساء في القبول، ولا يجوز فيه الإجبار أو الإكراه لأي من الفريقين، أي الرجل والمرأة. وعلى الموحد عند زواجه الاجتهاد في أن يختار زوجة ديّنة رصينة طيبة الأصل أي التربية، كذلك النسب لما لذلك من أثر عظيم في النسل وتربية الأولاد وصلاحهم وحلالهم.

 

أما الموت فهو مصير كل مخلوق حيّ وهو عدلٌ ورحمة من الله تعالى، ومصير الروح مرتبط بإرادة الخالق رب العالمين لا بإرادة سواه، ولا يعرف مصيرها إلاّه لقوله تعالى ويسألونك عن الروح قُل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً سورة الإسراء. ومن مراسم الدفن يتم نقل الميت إلى المقبرة حيث يسير المشايخ أمام النعش وهم يهللون بقولهم : لا إله إلا الله دائم باقي وجه الله - لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعند الوصول إلى موضع الصلاة، توضع الجنازة في الوسط حيث يكون وجه المتوفي موجهاً نحو الشرق ويُغطى التابوت بغطاء أبيض وتكتب عليه عبارة الله حق . ثم يتقدم أحد المشايخ من معارف الفقيد للشهادة والتعريف بحسناته وفضائله ومكارم أخلاقه، والشهادة بحد ذاتها عند الموحدين أمانة وصادقة، حيث تأديتها بلا زيادة أو نقصان، ثم يدعو له بالرحمة طالباً ذلك من المشايخ والحضور، بعدها يتقدم المصلّين بمحاذاة صدر الميت مستقبلاً القبلة نحو البيت الحرام.

 

مجتمع الموحدين الدروز ينقسم إلى فئتين أساسيتين: فئة العقّال أو الأجاويد وهم الذين يعيشون حياة روحية إذ يلازمون الفرائض الدينية ويلمّون بأحكام المذهب وعلومه وحقائقه، وإن بدرجات متفاوتة، ثم يستطرد بذكر العديد من المشايخ والقادة الروحيين الذين كان لهم الأثر الكبير في تماسك وإعلاء شأن الموحدين... كالأمير سيف الدين التنوخي والشيخين حسن ويوسف العقيلي، والشيخ حسن الدمشقي الشافعي المعروف بالميمساني، والشيخ يوسف الكفرقوقي، والشيخ ابراهيم الهجري، والشيخ علي الفارس، والشيخ أمين طريف بالإضافة لكبير مشايخ العقل الشيخ محمد أبو شقرا..

 

المصدر " كتاب المظاهر الثقافية عند الموحدين الدروز"