في اليوم الأول على نشوب حريق مستودعات قاروط في منطقة سان تيريز، لم يكن واضحاً لفوج إطفاء الضاحية أن المشكلة أكبر مما تظهر، وان كميات البضائع وأنواعها الكيميائية والقابلة للاشتعال كبيرة ومتنوعة في هذا المستودع. 

سرعان ما تبيّن أن هناك 8000 ليتر مازوت في الطبقة الثانية من المستودع انفجرت ظهر اليوم الثاني، وظنّها سكان الضاحية تفجيرا «تكفيرياً»... صباح الأحد اشتدت النيران ووصلت حرارة الحيطان في المبنى إلى 500 درجة مئوية. الخسائر كبيرة، وهذا الحريق هو «جحيم» وهو من أصعب ما واجهته فرق الإطفاء

ثلاثة أيام متتالية من الاشتعال في مستودعات قاروط. فرق الإطفاء وصفته بأنه أصعب حريق واجهته في تاريخ عملها. السبب يعود إلى وفرة وتنوّع كميات المواد المخزنة والقابلة للاشتعال. هناك الأخشاب، البلاستيكيات، مواد كيميائية متنوعة، من بويا و«سبراي» على أنواعها، خيوط، كرتون، خردوات، تينر، إضافة إلى خزانات المازوت، التي تغذّي مولّدات الكهرباء وفيها نحو 8000 ليتر. كل هذه المواد تجمّعت في طبقتين من أحد المباني في منطقة الحدث.

المبنى يقع في منطقة سكنية على الطريق الذي يربط الصفير مع سان تيريز وراء محال «أوركا». المدخل إلى المبنى هو مباشرة بعد مقهى «سويس تايم» إلى اليمين في طريق ضيّقة نسبياً وبلا أرصفة. أما الدخول إلى مستودعات المبنى، الذي يقسم إلى أكثر من «بلوك»، فهو صعب «بسبب ضيق الممرات إليها. وتزداد صعوبة الأمر عندما يتبيّن أن المستودعين يمتدان على بلوكين (ِA) (B) وهو ما يزيد صعوبة السيطرة على الحريق»، يقول مسؤول معني بهذا الملف.

ويروي المسؤول أنه كان هناك اعتقاد خاطئ بأنه جرت السيطرة على الحريق في اليوم الأول، لكن المواد القابلة للاشتعال جعلت الحريق يتجدد ويشتد. وبرغم الجهد الذي بذله فوج أطفاء الضاحية الجنوبية، إلا أن قوّة الاشتعال والخطر الذي يهدّده استمرارها جعلت الاستعانة بفوج أطفاء بيروت أمراً ملحاً في صباح اليوم الثاني على الحريق، أي يوم السبت، وذلك بعد ورود معلومات عن خروج الحريق عن السيطرة. عندها أجرى محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل اتصالاً بمحافظ بيروت زياد شبيب، لطلب الدعم وإرسال فوج إطفاء بيروت. وعندما دبّت النار في الطبقة الثانية من المستودع، وانفجرت خزانات المازوت ظهر السبت، تبيّن أن هناك حاجة أكبر إلى عمليات الإطفاء، فاضطر فوج إطفاء بيروت إلى تعزيز عمله هناك، وأرسل عدداً كبيراً من آلياته وعناصره للمشاركة.

يقول المسؤول المعني، إن عناصر الإطفاء لم يتمكنوا من الدخول إلى نقطة الاشتعال بعدما أصبحت درجة حرارة المياه التي استعملت في عمليات الإطفاء ملتهبة، مشيراً إلى أن التقرير المبدئي يشير إلى أن حرارة الحيطان في المبنى وصلت إلى 500 درجة مئوية، وأن التصدعات ظهرت في المبنى وهناك مخاوف كبيرة من تداعيه.

في هذا الوقت، أُخلي المبنى وبعض المباني المجاورة من السكان خوفاً من امتداد النار. إلا أن أفواج الإطفاء العاملة هناك تمكنت مساء أمس من حصر منطقة الاشتعال رغم أن إخماد الحريق بقي أمراً مستعصياً. وقد تبيّن أن تجهيزات فرق الإطفاء ليست كافية لمواجهة هذا النوع من الحرائق «ففي بعض الحالات المستعصية، كحريق مستودعات قاروط، يمكن استعمال ما يعرف بأنه قنابل سحب الأوكسيجين، المخصصة للسيطرة على الحريق» وفق رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا.

يوجد 8000 ليتر في خزانات المازوت التي تغذّي مولّدات الكهرباء

ويشير الخنسا إلى ان المشكلة التي واجهت فرق الإطفاء، أنه «ما من خزانات استراتيجية للمياه التي تمثّل العنصر الأساسي لفرق الإطفاء، لا بل تبيّن أن هناك مشكلة ثانية سببها انقطاع المياه في بعض المناطق، وبالتالي جرت تلبية احتياجات الإطفاء من المياه تارة من حارة حريك وتارة من الغبيري، ومن سواهما أيضاً». هكذا ظل الحريق متواصلاً، لكن جرى إخماد وعزل واحد من المستودعين عند الثالثة من بعد ظهر أمس الأحد، واستمرّت جهود الإطفاء للسيطرة على الحريق في المستودع الثاني، علماً بأن غرفة العمليات التي أنشئت لدى فوج إطفاء الضاحية تنسّق الجهود مع جميع الجهات العاملة على الأرض، التي تقدم الدعم اللوجستي وسواه، ويشير الخنسا إلى وجود تنسيق متواصل مع محافظ جبل لبنان فؤاد فليفل، الذي زار موقع الحريق مرتين.

في ظل استمرار الحريق، تتركّز الجهود على معالجة النتائج، ويترك التحقيق في أسباب نشوب الحريق للفترة التي تلي إخماده. حتى خسائر شركة قاروط لا تبدو مهمة في هذه اللحظة، لأن امتداد الحريق سيزيد الخسائر. «حتى الآن ليست هناك أي خسائر في الأرواح وهذا المهم» يقول الخنسا. أما بالنسبة إلى الخسائر التجارية، فهي تبدو كبيرة نظراً إلى أن مساحة كل مستودع تصل إلى 800 متر مربع، وبالتالي فإن القدرة التخزينية للبضائع كبيرة جداً، وخصوصاً أن غالبية السلع التي يعرضها قاروط للبيع هي سلع صغيرة الحجم، علماً بأن الخسائر المادية تنسحب على التصليحات المتعلقة بالمبنى أيضاً.

وبحسب رئيس رابطة المهندسين الإنشائيين توفيق سنان «يجب الكشف فوراً على المبنى بعد إخماد الحريق. المستودعان تحت الأرض وبالتالي فإن الحريق سيكون له تأثير على اساسات المبنى، لكن يجب أن نعرف ما هو حجم التأثير وما هي تداعياته، وقدرة المبنى على البقاء مع التدعيم أو إسقاطه وإعادة إعماره». وينقل المتابعون عن رئيس مجموعة قاروط عطوف قاروط، أن أكبر هواجسه اليوم تتعلق بوقف امتداد النار نظراً إلى الخسائر التي يمكن أن تصيب المبنى ما سيؤثّر سلباً على حياة مجموعة من السكان. أما الخنسا، فيؤكد أن الكشف على المبنى سيكون فور إخماد الحريق «وستجري دراسة الأساسات بكل تأكيد».

يفتح حريق قاروط الباب أمام إشكالية أساسية تتعلق بوجود المستودعات بين المباني السكنية. فهل يجب الترخيص بإنشاء مستودعات بين المباني السكنية؟ وهل يتيح القانون هذا الأمر؟

الإجابات المتاحة حالياً، تشير إلى أن استعمال المستودعات لتخزين هذا النوع من البضائع والسلع القابلة للاشتعال يتطلب أن يستحصل صاحب المؤسسة على ما يعرف بأنه «ترخيص مؤسسة مصنّفة» وهو لا يمنح، عادة، بين المباني السكنية، لكن في حالة قاروط، فالمسؤول المعني يرجح أن الترخيص ليس متوافراً، وأن هذه المؤسسة تعمل مثلها مثل غالبية المؤسسات في لبنان، اي بلا ترخيص مؤسسة مصنّفة «يمكن القول إن غالبية المستودعات في لبنان، التي ظهرت اعتباراً من مطلع التسعينيات، هي عبارة عن عبوات مؤقتة، تماماً مثلما حصل مع قاروط، لكن يضاف إلى هذا الأمر، وفق التقارير المبدئية، ان هذاالمستودع لم يكن فيه إطفائية واحدة، ولم تتخذ فيه أي إجراءات لتعزيز السلامة العامة».

على أي حال، كانت توقعات فرق الإطفاء والدفاع المدني أن تجري السيطرة على الحريق مساء الاحد، لكن «لا أحد يمكنه التنبؤ بما هو موجود داخل هذا المستودع، ولا بالقدرة على إطفائه».