يهدّد الأمين العامّ حزب الله حسن نصر الله بتهجير ملايين الإسرائيليّين، ويكاد يعلن الانتهاء من "جبهة النصرة" وبدء الاستعداد للانتهاء من "الدولة الإسلاميّة" (داعش).

 

وفي خطاب سبق هذا الأخير، تحدّث عن وجود حزبه في أكثر من موضع ونقطة في سوريا.

 

وبين فترة وأخرى، تظهر تسريبات عن وجود ما للحزب في العراق، بل في اليمن أيضاً. 

 

وفي الحالات كافّةً، فإنّ السيّد نصر الله لم يعد يقتصد في الحديث عن أوضاع المنطقة ككلّ، من المشرق إلى اليمن مروراً بالخليج، بلغة تفرز الصحيح عن الخطأ، والموقف السليم عن الموقف المشبوه، وتخبرنا من هم أصدقاء الشعب، كإيران التي يُتّكل عليها، ومن هم أعداؤه. وهو بالتأكيد أشدّ حضوراً وتحديداً للمواقف من الرئيس السوريّ بشّار الأسد، ومن رئيس حكومة العراق حيدر العبادي، بل من المرشد الإيرانيّ الأعلى علي خامنئي.

 

وإذ يمضي الأمين العامّ في صعوده اللولبيّ، فإنّه يعثر على قوى، كالحزب الشيوعيّ اللبنانيّ، وطبعاً الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، ترسل المقاتلين كي يلتحقوا بمواجهاته الحربيّة في القلمون السوريّة، وربّما أيضاً في غير القلمون.

 

إذاً، نحن أمام تكرار بليغ لنظريّة دونالد رمسفيلد، وزير الدفاع الأميركيّ الأسبق، حين تحدّث عن استعدادات بلده لخوض ثلاث حروب في وقت واحد. أمّا الذين قد يستشهدون بمصر الناصريّة، بما يُرضي الكبرياء القوميّة، فيفوتهم أنّ زعيم البلد العربيّ الأكبر لم يحتمل حرباً في اليمن بينما كان يُعدّ لـ "محو آثار العدوان" في 1967.

 

وهذا كثيرٌ علينا إذا صحّ. فلا الطائفة الشيعيّة اللبنانيّة، ولا لبنان كلّه بأمّه وأبيه، قادرين على الاضطلاع بمثل هذه المهمّات الجسام، لا فارق أحسبنا ذلك بالطاقة البشريّة أم بالقدرات الماليّة والاقتصاديّة المتوافرة. لكنْ ما دامت الصورة المذكورة تحتمل الكثير من المبالغة والتضخيم، جاز التساؤل عن سرّ هذه السرديّة الإمبراطوريّة التي يتمسّك بها حزب الله وأمينه العامّ.

 

فهل المطلوب من وراء النفخ في صورة "قبضاي الضيعة" رفع معنويّات منهارة لقاعدة محدودة القدرات تتناهشها المخاوف من الآتي؟ أم أنّ المطلوب إخافة القوى السياسيّة اللبنانيّة وحملها على السكوت حيال ما يفعله، وما قد يفعله، حزب الله في لبنان وسوريّا، انطلاقاً من جرود عرسال؟

 

لا شكّ أنّ هذه الافتراضات كلّها وسواها تملك مقادير من الصحّة والواقعيّة. بيد أنّ هناك عاملاً آخر يحضّ على هذا التوكيد الإمبراطوريّ. ذاك أنّنا نلاحظ في الظرف الراهن نوعاً من الضمور والانكماش اللذين يصيبان المشرق العربيّ كلّه، لا قواه فحسب، بل مجتمعاته المتفسّخة أيضاً.

 

وفي مقابل هذا التقزّم، وفي عداده تحوّل حزب الله مجرّد ميليشيا لمصلحة إيران، تتحوّل الأخيرة عملاقاً يستطيع وحده أن يتباهى بدور إمبراطوريّ ما. هكذا يصير لزاماً رأب هذا الصدع الذي يتعاظم وينقشع فتقه يوماً بيوم. والكلام الكبير قد يبدو صالحاً للتعويض، أو للتنفيس، عن الواقع الصغير.

 

المصدر: ناو