نظم مركز "أمم" للتوثيق والأبحاث ندوة بعنوان "كيف نحاكم الارهاب؟ عدالة الاستثناء ومخاطر الاستثناء على العدالة"، بالتعاون مع جمعية "هيا بنا" وبدعم من الاتحاد الاوروبي، في حضور ممثلين لجمعيات حقوقية وهيئات المجتمع المدني.

استهل اللقاء بكلمة لمدير المركز لقمان سليم الذي أشار الى ان "موضوع الندوة يدخل في صلب النقاش الدائر"، موضحا ان "المركز مؤسسة تعنى بذاكرة الحرب الاهلية اللبنانية".

الايوبي

ثم، ألقى ممثل وزير العدل اللواء أشرف ريفي القاضي أحمد الأيوبي كلمة قال فيها: "منذ تولي وزير العدل وزارة العدل يسعى جاهدا الى عدالة أفضل ولا أقول هذا الكلام من باب الخطاب السياسي او الشعبوي إنما هذا الأمر هو حقيقة ملموسة سعى اليها وزير العدل منذ ان تولى هذه المسؤولية. ان الوصول الى عدالة أفضل يحصل من خلال الوصول الى قضاء طبيعي ومحايد ومطابق للمعايير الدولية ويكفل حقوق الانسان، واذا كنا نسعى الى قيام دولة قانون فأول أركان قيام هذه الدولة نصل الى قضاء طبيعي ومحايد ويراعي المعايير الدولية وحقوق الانسان، وعلى خلفية هذا الامر وانسجاما مع هذا الهدف كان التوجه لوضع خطة ميدانية لمقاربة الامور الإشكالية التي يمكن ان تعوق مسار الوصول الى هذا القضاء الطبيعي، ومن الملفات الاساسية التي دارت في ذهن وزير العدل هي موضوع المحاكم الاستثنائية لان هذا الموضوع هو من أهم المواضيع التي ينبغي التأمل فيها وتقييم العمل بشأنها لتحقيق الهدف".

أضاف: "تجربة المحاكم الاستثنائية لا يقصد بها فقط المحكمة العسكرية، هناك المجلس العدلي وهناك العديد من المحاكم التي تصنف بالمعيار القانوني على انها محاكم استثنائية وطالما ان الامر مرتبط بالمحكمة العسكرية يهمني باسم معاليه ان أسلط الضوء على بعض النقاط، فأولا، لم يتردد الوزير يوما في ان يدعم ويحفز عقد لقاءات مع هيئات المجتمع المدني ومع رجال القانون في لبنان للوقوف على آرائهم وعلى تقييمهم لهذا الامر فكان اهتمامه دعم هذه النقاشات والحوارات لما لها من قيمة فعلية وعملية في بلورة مشروع قانون يصدر عن وزارة العدل".

وتابع: "ثانيا، بالنسبة إلى تجربة المحكمة العسكرية، هناك نقاش كبير في لبنان حولها وهناك سجالات كثيرة حول هذا الموضوع، وأعتقد ان الكل وعلى الرغم من تعدد الآراء والمواقف مجمع على فكرة أساسية اليوم ألا وهي ضرورة إعادة النظر في قانون القضاء العسكري. البعض ينادي بإلغاء المحكمة العسكرية والبعض ينادي بتعديل اختصاصات وبعض جوانب عمل المحكمة العسكرية ولكن أعتقد ان الامر أصبح بحكم الثابت انه يجب تقييم هذه التجربة وإعادة النظر بها لان الامر البديهي وقبل الدخول في المشاكل الميدانية التي أثارت حفيظة الرأي العام ومتتبعي شؤون العدالة في لبنان فان الامر البديهي والثابت الذي يلفت النظر هو القانون الذي يرعى هذه المحكمة ويفرض علينا بحد ذاته إعادة النظر بأمور كثيرة على المستوى النظري ومتصلة بكيفية تشكيلها وبأدائها وبالإختصاصات المسندة اليها وعلى سبيل المثال هل يعقل ان تتشكل المحكمة العسكرية قانونا من رئيس لا يشترط ان يحمل إجازة في الحقوق وهل يعقل ان تكون المحكمة العسكرية مؤلفة من ضباط لا يحملون الإجازة في الحقوق؟ البعض يقول ان هناك مستشارا مدنيا وهو قاض في المحكمة لكن هل هذا يكفي للولوج الى عدالة سليمة مطابقة للمعايير الدولية؟ ثانيا هل يعقل ان نتبنى أحكاما بالاعدام وبعقوبات قصوى دون تعليل مسهب يراعي المعايير الدولية في التعليل؟ الاحكام يجب ان تعلل وفق معايير متفق عليها باتفاقيات دولية حول كيفية تعليل الاحكام القضائية لكي يركن المواطن الى دقة هذه الاحكام والى وجه العدالة في هذه الاحكام فلا يمكن ان نصدر حكما دون ان نراعي مقتضيات التعليل القانوني الصائب".

وسأل: "ثالثا، هل يعقل ان ينظر بقضايا الارهاب والجرائم الماسة بأمن الدولة من قبل قضاء غير متخصص بشؤون الارهاب في ظل التوجهات الدولية التي تسعى الى تكريس سياسة قانونية دولية تكافح الارهاب وفق معايير يتم الحوار بشأنها والاتفاق عليها؟ ثم هل يعقل ان يكون بموجب القضاء العسكري ان تسند مهمة القضاء الى معاون مفوض بقرار من مسؤول عسكري وان ننشىء وظيفة قضائية بقرار من مسؤول عسكري وان يكون قاضي تحقيق مسندة مهامه القضائية بموجب قرار من مسؤول عسكري؟ كل هذه الامور تستدعي التأمل والحوار الهادىء والرصين وأرجو هنا ألا نخلط بين الشق القانوني من الموضوع وبين هيبة المؤسسة العسكرية التي يحرص عليها وزير العدل ووزارة العدل وكل من هو حريص على دولة القانون".

وختم الأيوبي: "هيبة المؤسسة العسكرية هي موضع تقدير واحترام وزير العدل وكل شريف يسعى الى قيام دولة القانون في لبنان. يجب ألا نخلط بين القضاء العسكري وبين المؤسسة العسكرية كما يحصل في الرأي العام. هذا التباس خطير يجب ألا نقع به، كما يجب ألا ندخل هذا الامر في البازار السياسي، فعندما يتعلق الامر بالعدالة وبشؤون العدالة وبدولة القانون هناك ما هو أسمى من السجال السياسي لان هذا الامر يمس بصميم حياة المواطن وحياة الاشخاص الذين يتعرضون لملاحقات أمام القضاء وبالتالي هذا الامر يستوجب على الإطلاق الإصطفاف السياسي الحاد والتمترس دون التبحر والتمحيص في مضمون الأمور والاتفاق مع ما هو منسجم مع مصلحة الوطن ومصلحة قيام دولة القانون".

جابر

وكانت كلمة لمدير "مركز الشرق الاوسط للدراسات والعلاقات العامة" العميد الركن المتقاعد الدكتور هشام جابر عن "القضاء العسكري على محك الارهاب: إخفاقات ونجاحات"، فأشار الى ان "لا يوجد حتى الساعة تعريف لكلمة الارهاب كما ان الولايات المتحدة الاميركية لم تقبل اي تعريف واضح للارهاب. اذا كانت اميركا ودول العالم لم يعتمدوا تعريفا للارهاب فنحن على ثقة ان لا تعريف حقيقيا للارهاب يقبل به جميع اللبنانيين وأكبر دليل هذا الإنقسام السياسي القائم في البلد".

وقال: "مشكلة القضاء العسكري ليست في الترميم او التعديل، فالقضاء العسكري قضاء استثنائي يرتبط بالسلطة القضائية ككل. يجب تعديل قانون القضاء العسكري او المحاكم الاستثنائية، وهذا الامر مرتبط بوصول لبنان الى تكوين وتأسيس السلطة القضائية المستقلة. والخطوة الاولى في هذا الاتجاه تكون بقيام مجلس نيابي منتخب على أسس سليمة وبقانون انتخابي شامل، عندئذ تكون الخطوة الثانية قيام سلطة قضائية مستقلة. نحن نحتاج الى قانون يحفظ السلطة القضائية ويؤمن استقلالها".

وختم: "نحن في لبنان علينا تحديد مفهوم الارهاب والى أي قضاء سيذهب. يجب تعديل قانون القضاء العسكري كله. ونحن حملنا القضاء العسكري أكثر بكثير من طاقته. القضاء العسكري نجح في الحكم على قضايا ارهابية وبسرعة وأخفق أو أجل وجاء التمييز العسكري ونقض الحكم وهذا أمر يحصل، والحكم الذي صدر على الوزير السابق ميشال سماحة قابل للجدل".

نجم

ثم تحدث ممثل نقيب المحامين المحامي جورج نجم عن ان "ظاهرة الارهاب ومواجهته لم تعد محصورة في بلد او منطقة او مجتمع، بل أصبحت فعليا معضلة عالمية تخطت حدود الدول والمجتمعات". وقال: "من المفارقات ان توصيف الفعل نفسه يختلف باختلاف الجهة التي ارتكبته والظروف التي حصل خلالها او بسببها، والامثلة على ذلك كثيرة وتشمل تقريبا مختلف المجتمعات في مختلف مراحل التاريخ الانساني والسياسي. والمؤرخون يذكرون طبعا انه حتى في الولايات المتحدة الاميركية، التي ترفع حاليا لواء محاربة الارهاب والدفاع عن الحريات والديموقراطية، حصل نوعان من الارهاب: الاول، عنصري ضد مجموعة الاميركيين من أصول أفريقية، والثاني سياسي، في بدايات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، ضد كل من حامت حوله شبهات او شكوك بانه مؤيد او متعاطف مع الأفكار الشيوعية او الاشتراكية".

وتابع: "لدينا في منطقتنا، في الأمس القريب، شواهد كثيرة على الارهاب الذي مارسته عصابات أرغون وهاغاناه بحق الشعب الفلسطيني لإلقاء الرعب في قلوب الاهالي وحملهم على ترك أرضهم خوفا من القتل والتنكيل، مما سهل إنشاء دولة العدو الاسرائيلي. أما أحدث ظواهر الارهاب في السنوات الاخيرة وصولا الى أيامنا هذه فقد احتكرها تنظيم القاعدة وما تفرع عنه من منظمات ليس آخرها تنظيم "داعش", ومختلف المجتمعات والديانات قد ارتكبت أفعالا إرهابية في مرحلة معينة من تاريخها، وليس الأمر مقتصرا على التطرف الاسلامي كما يسود الاعتقاد حاليا نتيجة إرهاب المنظمات التي تتخذ الاسلام عقيدة لها.

وتناول "كيفية محاكمة الارهاب أمام القضاء"، وسأل: "هل ان المحاكم العادية مؤهلة او مهيأة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة المتنامية ان كان من ناحية الخبرة القانونية - الامنية او لناحية الجرأة وسرعة البت في ملفات القضايا الارهابية، ام ان الصفة الإستثنائية والخطيرة التي يتصف بها الارهاب، ان كان لجهة نوعية الأفعال أم لجهة الفاعلين، تستوجب ان يتولى نوع من القضاء الاستثنائي هذه المهمة الدقيقة؟ هل ان محاكمة الارهاب امام هيئات قضائية استثنائية يشكل استثناء على العدالة، واذا كانت الهيئات القضائية الاستثنائية التي تتولى محاكمة الأفعال الارهابية والارهابيين تختلف من دولة الى اخرى وفقا لنظامها القضائي، ففي لبنان نوعان من القضاء الاستثنائي الذي يتولى محاكمة الاعمال الارهابية: المجلس العدلي والقضاء العسكري".

ولفت إلى "الضجة التي أثيرت أخيرا بعد صدور حكم المحكمة العسكرية الدائمة في بيروت في قضية سماحة-مملوك"، مؤكدا "الموقف المبدئي الذي التزمته نقابة المحامين في بيروت لجهة التشديد على مبدأ فصل السلطات وبالتالي استقلال السلطة القضائية، ولجهة محاذرة التشكيك او الطعن في الاحكام القضائية إلا أمام المرجع القضائي الأعلى"، مذكرا "بموقف نقيب المحامين في بيروت جورج جريج إثر ترؤسه لجنة تطبيق وتطوير القوانين والأصول أمام القضاء".

ولفت الى "الموقف الذي اتخذه مجلس النقابة بتاريخ 29/3/2015 الداعي الى إلغاء المحاكم الإستثنائية ووقف العمل بمنظومتها، وحصر اختصاصها في المرحلة الانتقالية بالحدود التي ينص عليها القانون الرقم 24 تاريخ 13/4/1968 الى حين تصفية أعمالها وإنهاء وجودها. وهذا الكلام يشمل طبعا المجلس العدلي ولا ينحصر بالقضاء العسكري، لا سيما وان حصر المحاكمة أمام القضاء العدلي بدرجة واحدة لا تقبل اي طريق من طرق المراجعة او الطعن من شأنه في بعض الأحيان ان يضحي بالحقوق التي يضمنها الدستور وشرعة حقوق الانسان الدولية لحساب ومصلحة الطبيعة الاستثنائية التي تفرضها العدالة الاستثنائية".

وختم: "لا يجوز ابدا ان تكون حماية أمن المجتمع والدولة والسلم الاهلي على حساب الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور وشرعة حقوق الانسان، ولا بد من المواءمة بين واجب محاربة ومحاكمة الارهاب وموجب حماية الحقوق والحريات الخاصة والعامة".

الحلبي

وكانت كلمة لمدير مؤسسة "لايف" لحقوق الانسان نبيل الحلبي تناول فيها محاكمة الارهاب من منظور العدالة وحقوق الانسان.