يعتبر مصدر سياسي بارز أن تصاعد حدة التجاذب السياسي السائدة حالياً، تارة حول تضخيم مخاطر الوضع الفوضوي في بلدة عرسال والجرود المحيطة بها وتارة أخرى حول الانتخابات الرئاسية وتعيين قائد جديد للجيش، سببها الأساسي يعود إلى تداعيات الحرب الدائرة في سوريا وحالة الإحباط والأسى التي يعيشها «حزب الله» وحليفه «التيار العوني» جرّاء ظهور مؤشرات وحدوث تطورات ميدانية متسارعة لانهيار نظام الرئيس بشار الأسد بعد سلسلة من الخسائر لمناطق شاسعة كان يسيطر عليها جيش النظام في الآونة الأخيرة وعدم جدوى كل الدعم والمساعدات التي قدمها نظام طهران وروسيا طوال السنوات الأربع الماضية في إنقاذه من المصير الأسود المحتوم الذي ينتظره كسائر الأنظمة الديكتاتورية التي سبقته في المنطقة، بعدما تبين كذب كل الادعاءات المزيفة بالانتصارات الوهمية التي وعد بها الحزب والتيار وحلفاؤهم محازبيهم مراراً خلافاً للواقع وحاولوا الاستقواء بها والاستئثار بالتركيبة السلطوية بالداخل اللبناني وقلب موازين القوى السياسية لصالحهم.

 

ويشير المصدر السياسي إلى أن إثارة الوضع القائم في عرسال والجوار في هذه المحلة بالذات واستغلاله ليس بريئاً على الإطلاق، بل يُخفي وراءه أهدافاً وغايات مشبوهة لا تنطلي على أحد، أقلها محاولة الحزب وحليفه التيار العوني تحقيق مكاسب ولو محدودة لتعويض هزائم الداخل السوري لتخويف خصومهم السياسيين والاستقواء عليهم والإبقاء على سيف السلاح غير الشرعي للحزب مسلطاً فوق رؤوسهم تفادياً لأي تراجع سياسي أو تنازل عن الاستئثار بمواقع السلطة، إن كان بالنسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية أو بتركيبة الحكومة الجديدة أو في أي موقع مؤثر كقيادة الجيش وغيرها، أو محاولة طرح مصير سلاح الحزب ومستقبله.

 

وذلك، يتفنّن «حزب الله» في ابتداع وسائل الابتزاز والترهيب، بدءاً من السيناريوهات التخويفية المبتذلة لواقع الأوضاع العرسالية ومخاطرها المحدقة ومروراً بالتحريض المنظم وعراضات الخارجين على القانون والملاحقين وانتهاءً بالترويج لإنشاء اللجان والتجمعات المذهبية الموالية لها وكلها وسائل وممارسات تعبّر عن هشاشة وضعف وإحباط وحتى إفلاس، لأنها لن تغيّر في الواقع السائد هناك، بل تزيد من حالة الاحتقان الداخلي وتنامي مشاعر الكراهية للحزب وممارساته وتبعيته العمياء للنظام الإيراني الذي يسعى لتحقيق مصالحه الإقليمية والدولية على حساب الحرائق التي يشعلها في لبنان وبعض الدول العربية وأصبح يلهث حالياً وراء الدول العظمى والغرب لعقد اتفاق معها ينهي حالة العداء القائمة ويعيد تطبيع العلاقات معها.

 

ويلفت المصدر السياسي المذكور إلى أن الأوضاع السائدة حالياً في عرسال وجوارها وما يكتنفها من فوضى ليست مستجدة والكل يعرف حقيقتها وهي ناجمة أساساً عن الحرب التي شنّها النظام الأسدي و«حزب الله» على الشعب السوري منذ بدايات الانتفاضة ضد النظام واستتبعت بانغماس واسع للحزب فيها وتسببه بتهجير مئات آلاف السوريين من مدنهم وقراهم في القصير والقلمون وغيرها.

 

وحاولت الحكومة الحالية ومن خلال بعض الوزراء المسؤولين فيها تنفيذ عدّة خطوات عملانية لاستحداث مراكز ايواء منظمة ومراقبة من قبل الدولة اللبنانية للمهجرين السوريين في عرسال قبل أشهر، إلاَّ ان كل هذه المحاولات جوبهت برفض من قبل وزراء الحزب والتيار العوني ومؤيديهم كما هو معروف في مداولات مجلس الوزراء.

 

اما المواقف والتصريحات وحملات التحريض لعدم مشاركة الجيش اللبناني لعمليات «حزب الله» المضخمة إعلامياً في القلمون السورية ومحاولات الزج به ضد أبناء عرسال فإنها لن تنفع في تبديل الواقع القائم، كون الجيش اللبناني يتولى منذ اشهر عديدة مهمات الأمن في هذه المناطق بقرار من الحكومة وبتغطية من المرجعيات السياسية المعنية وهو يقوم بواجباته في هذا الخصوص وممسك بزمام الأمور ولا يستدعي الأمر تبدلاً في هذه المهمات، إلاَّ إذا تطورت الأوضاع نحو الأسوأ، في حين ان تهويل الحزب وحلفائه بالقيام بعملية عسكرية ضد عرسال نفهسا سيرتب تداعيات خطيرة لا يمكن التكهن بنتائجها على الداخل اللبناني والكل يحسب لها بدقة وليس من السهل القيام بها.

 

اما التبشير من قبل الحزب بشن عملية عسكرية واسعة ضد مسلحي التنظيمات السورية على اختلافها وخصوصاً المتطرفين منهم في جرود عرسال الواسعة والوعرة ومحاولة جر الجيش إلى مثل هذه العملية، لا يمكن ان تلقى التجاوب والقبول لأن الجيش يتحمل مسؤولياته في نطاق المهمات المرسومة له ويعرف واجباته وضمن الإمكانيات المتوفرة له في الحفاظ على الامن ويتحرك استناداً للقرار السياسي بما فيه مصلحة كل اللبنانيين وليس لمصلحة فئة دون الأخرى.

 

ويستبعد المصدر قيام «حزب الله» بشن عملية عسكرية واسعة في جرود منطقة عرسال لأنها صعبة ومعقدة أكثر بكثير مما يقال ويروج وتفوق إمكانيات وقدرات الحزب بالرغم من كل التهويل، والترويج لمثل هذه المعركة لا ينفصل عن محاولات ابتزاز الدولة والتأثير السياسي على الخصوم، لأن الوقائع الميدانية على مدى السنوات الماضية أظهرت استحالة قدرة الجيش السوري النظامي بكل قوته على حسم مثل هذه المعركة منذ بدايات الانتفاضة السورية وحتى اليوم.

 

ويختم المصدر قائلاً: ان حلحلة الأزمة الرئاسية والأزمات المتفرعة عنها بالداخل اللبناني ستبقى معلقة في الوقت الحاضر، بانتظار ترقب اتجاهات الأزمة السورية واستنباط الحلول المطلوبة لها، وهذا قد يستغرق بعض الوقت ومرتبط بالتحركات الإقليمية والدولية بهذا الخصوص، في حين ان تداعياتها ستبقى مؤثرة بالداخل اللبناني حتى ذلك الحين.