لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم السبعين بعد الثلاثمئة على التوالي.
إن دلت جلسة الحكومة، أمس، على شيء، فعلى تهيب جميع مكوناتها، حتى الآن، مغبة الإقدام على أية اندفاعة سياسية تهدد البنيان الوزاري.. الهش أصلا.
أفرغ الوزراء مخزونهم العرسالي، سياسياً، وقدموا مقاربات متناقضة من هانوي حسين الحاج حسن إلى هونغ كونغ سمير مقبل.. وبينهما، أبحر قارب نهاد المشنوق بصياغات يحكمها الموقع الوزاري.. والموقف السياسي. أما جبران باسيل، فقد قال كلمته في التعيينات الأمنية وعرسال.. قبل أن يطالب باعتمادات مالية جديدة غب رحلات خارجية، بعد تدشين مرحلة «التعطيل الحكومي»!
هدأت معظم المحركات السياسية، باستثناء محركات وليد جنبلاط. تحرك الزعيم الدرزي في أكثر من اتجاه. أجرى، أمس الأول، اتصالاً بسعد الحريري وتمنى عليه السير بخيار شامل روكز قائداً للجيش، معتبراً أنه إذا كان يصعب في هذه المرحلة البت بالرئاسة، فماذا يمنع إرضاء ميشال عون بقيادة الجيش؟
لم يقفل الحريري الأبواب بل طلب مهلة للتفكير في الأمر، علماً أنه كان قد أعطى في السابق إشارات إيجابية قبل أن ينقلب عليها فؤاد السنيورة. دقّق جنبلاط في معطيات بعض «14 آذار» وبعض «الوسطيين» عن عدم وجود حماسة غربية لأي بديل للعماد جان قهوجي في هذه المرحلة. كان جواب سفير الولايات المتحدة ديفيد هيل واضحاً بأن بلاده لا تضع «فيتو» على أي ضابط وأن ما يعنيها هو تماسك الجيش ودوره الضامن للاستقرار ومكافحة الإرهاب، ولذلك، لن تتردد في المضي بدعمه بشتى الإمكانات.
وما قاله ديفيد هيل عبَّر عنه أقرانه من السفراء الغربيين، بأن حماية الجيش اللبناني واستقرار بنيانه القيادي أولوية تتقدم على رئاسة الجمهورية لا بل على كل الاستحقاقات السياسية، خصوصاً في ظل المهمات الكبيرة الملقاة على عاتقه في الداخل أو على طول الحدود اللبنانية.
وعندما قرع البعض أبواب السعوديين، لم يكن جوابهم مختلفاً عن الأميركيين بترك هذه المسألة للقيادات اللبنانية، وأنهم لم ولن يتدخلوا أبداً في هذا النوع من الملفات الداخلية، ولعل هذا الكلام سيسمعه رئيس الحكومة تمام سلام مجدداً، الأربعاء المقبل، في السعودية من ملكها سلمان وولي عهده الأول محمد بن نايف وولي عهده الثاني محمد بن سلمان، مع التأكيد السعودي على دعم الجيش، سواء بالمليارات التي خصصت له في زمن الملك عبدالله، أو بمبادرات جديدة ستشمل بطبيعة الحال ملف النازحين السوريين بالدرجة الأولى.

ثلاثة احتمالات
في ضوء هذه المواقف، ما هي الاحتمالات في موضوع التعيينات الأمنية، في ضوء القرار السياسي الذي اتخذه «التيار الوطني الحر» بالتكافل والتضامن مع «حزب الله» وسليمان فرنجية برفض الفصل بين تعيينات الجيش وقوى الأمن الداخلي؟
أولاً، أن تشكل مهلة الأسبوع (حتى الخميس المقبل) فرصة لـ «سرقة» تفاهم سياسي على تعيين شامل روكز قائداً للجيش مقابل تعيين مدير عام جديد لقوى الأمن الداخلي (أحد الثلاثة أحمد الحجار أو عماد عثمان أو سمير شحادة) يختاره «تيار المستقبل»، وهو احتمال ارتفعت أسهمه في ضوء الحركة الجنبلاطية الأخيرة وما يمكن أن تسفر عنه زيارة سلام الى السعودية.
ثانياً، إن مجرد إلغاء مذكرة المدير العام السابق التي قضت بتسليم مهام المديرية العامة لقوى الأمن بالوكالة الى الضابط الأعلى رتبة من بين قادة الوحدات، يؤدي تلقائياً للركون الى قانون قوى الامن الداخلي (القانون 17) الذي ينص على أن أي موقع يحصل فيه شغور يؤدي الى استلام الأعلى رتبة في المديرية ككل. وفي هذه الحالة، يتسلم القيادة بالوكالة الضابط الماروني ايلي كيوان.
ثالثاً، التمديد بقرار صادر عن وزير الداخلية نهاد المشنوق للمدير العام الحالي اللواء ابراهيم بصبوص، الى حين تعيين مدير عام جديد.
وتقول مصادر واسعة الاطلاع لـ «السفير» إنه اذا كانت فرصة الاحتمال الأول (تعيين روكز) تقل عن خمسين في المئة حتى الآن (في غياب المقايضة على الرئاسة)، فإن فرصة الاحتمال الثاني هي الأقل كلفة على الجميع (الوكالة)، غير أن ما يسري اليوم على قوى الأمن سيسري في أيلول على قيادة الجيش، فهل يمكن لأي جهة سياسية لبنانية أن تتحمل قائداً مسلماً للجيش (سواء أكان شيعياً أو سنياً أو درزياً)، اذا تم اعتماد قانون الدفاع بأن يتولى المهمة بعد تقاعد قهوجي الضابط الأعلى رتبة، وما هي الرسالة التي يراد عندها توجيهها للمسيحيين في ظل شغور أهم موقعين مارونيين (رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش)؟
وتعتبر المصادر أنه في هذه الحالة، تبقى الأرجحية للاحتمال الثالث، أي التمديد لبصبوص، الأمر الذي يعني تلقائياً، دفع «حزب الله» وسليمان فرنجية الى التضامن مع ميشال عون في خيار تعطيل الحكومة، بعنوان الاشتراط أن يكون في طليعة جدول أعمال أية جلسة جديدة لمجلس الوزراء بدءاً من الاثنين المقبل ملف التعيينات الأمنية في الجيش وقوى الأمن الداخلي.
وتضيف المصادر أن وزير الداخلية سيبادر تلقائياً، بعد استنفاد الخيارات، الى التمديد لبصبوص مهما كانت تبعات هذه الخطوة، وهو صارح كل من راجعوه بأنه لا يمكن أن يرسل العسكر الى الحرب وظهرهم مكشوف سياسياً، وهذه النقطة يلتقي فيها مع الرئيس نبيه بري الذي بدا متحمساً للتعيين لكنه اعتبر أن الفراغ في أية مؤسسة بمثابة انتحار للبلد.
وتشير المصادر الى أن العماد عون بات أسير السقف السياسي الذي رفعه وبات «حزب الله» في الوقت نفسه، أسير التضامن معه، ولو أن قناعته تشي بعكس ذلك، في ما يخص قيادة الجيش الحالية، وهذا ما سيؤدي الى إقدام الوزراء العونيين على خطوة هي أقل من اعتكاف أو استقالة، لكنها ستؤدي في النهاية الى تعطيل الحكومة وجعلها حكومة تصريف أعمال غير قادرة على اتخاذ قرارات سياسية أو أمنية.
عرسال: لا قرار سياسياً
ماذا على صعيد عرسال وجردها؟
بيّنت مناقشات مجلس الوزراء، أمس، أن لا قرار سياسياً، حتى الآن، بدخول الجيش الى كامل بلدة عرسال وجردها، نتيجة تشعبات الملف سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإنسانياً، وخصوصاً ملف النازحين.
وفي انتظار إجماع سياسي لا بد وأن يكون محكوماً بسقف زمني ما، بادر الجيش اللبناني، أمس، الى التجاوب مع مطلب البلدة وفعالياتها بتعزيز تواجده في محيطها عبر إقامة حواجز إضافية على مداخل عرسال، وخصوصاً حاجزه عند مدخل البلدة قرب المستوصف حيث استقبله الأهالي بنثر الأرز.
وعزز الجيش دورياته المؤللة على طول نقاط تمركزه في محيط البلدة وأطرافها، من دون التوغل في أحياء البلدة التي يعتبر بعضها محظوراً حتى على الأهالي أنفسهم، بقرار من بعض المجموعات المسلحة الغريبة عن عرسال، على حد تعبير مصادر عسكرية مأذونة قالت لـ «السفير» إن تسيير دورية في شوارع البلدة «هو رسالة تطمين للأهالي»، وأشارت الى أن الدخول الى كل عرسال «يعني توقيف كل شخص صادرة بحقه مذكرة توقيف، وتوقيف كل متورط مع الإرهابيين وإزالة كل تواجد مسلح».
وكشفت مصادر معنية أن مخابرات الجيش رصدت في اليومين الماضيين توجه أكثر من عشرة شبان من بلدة عرسال الى جرودها للالتحاق بـ «داعش» أو «النصرة» تمهيداً للمشاركة في أية مواجهات محتملة مع «حزب الله»