بعدما أحكم التعطيل قيوده على مفاصل الاستحقاق الرئاسي مُدخلاً إياه عنوةً في عام جديد من الفراغ تحت وطأة خطف النصاب وجعل الانتخاب رهينة طموحات وطروحات مرشح «حزب الله» الواحد الأحد رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ولأنّ المسؤولية الوطنية تجاه المخاطر المحدقة بالكيان باتت تحتّم رفع الصوت عالياً في وجه المعطلين إعلاءً للمصلحة اللبنانية العليا فوق كل المصالح الفئوية والشخصية والإقليمية، أخذت قوى الرابع عشر من آذار المبادرة أمس فتوجّه وفد من مسيحييها إلى بكركي في «محجّة» رئاسية تدعو إلى تحرير رأس الجمهورية من قبضات المعطلين والمنكّلين بالمؤسسات الدستورية وبمفاهيم اللعبة الديموقراطية، وعددهم كما أحصاهم البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أمام الوفد «42 نائباً قاطعوا الجلسات الـ23 الرئاسية منعاً لاكتمال النصاب» في إشارة إلى تحميله مسؤولية الفراغ الرئاسي إلى أعضاء كتلتي «الوفاء للمقاومة» و«التغيير والإصلاح» مع المجاهرة برفضه «وسيلة» التعطيل التي يعتمدونها لتبرير غاية الوصول إلى رئيس قوي. علماً أنّ ثورة 14 آذار ضد الشغور التي انطلقت شعلتها من بكركي أمس سوف تنتقل في الأيام المقبلة إلى ساحة النجمة للدفع باتجاه فتح باب المجلس النيابي أمام انعقاد جلسات انتخاب يومية استناداً إلى نص المادة 74 من الدستور التي تجعل المجلس «في حال انعقاد دائم» حتى انتخاب الرئيس العتيد.

وكان البطريرك الراعي قد توجّه لدى استقباله وفد الرابع عشر من آذار إلى أعضاء الوفد بالقول: «نحن معكم في الاستياء المرير من عدم انتخاب رئيس للجمهورية منذ أربعة عشر شهراً، ومن فراغ سدة الرئاسة منذ سنة كاملة ويوم»، داعياً إلى «الاتفاق والتوافق على مخرج ديموقراطي ينطلق من الدستور الواضح في مواده المختصة بانتخاب رئيس للجمهورية». وأعرب في ختام «هذا اللقاء التاريخي» عن أمله في «إيجاد مثل هذا المخرج»، واصفاً دخول الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية في عام جديد بـ«العار».

بدوره، أعلن وفد 14 آذار عن تشكيل لجنة منبثقة عن لقاء بكركي للتواصل مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والتداول معه بالخطوات التي اتفق عليها الحاضرون، مع الإشارة إلى أنّ كون التوّجه هو نحو «تأمين حضور يومي في مجلس النواب لانتخاب رئيس جمهورية واعتبار النصاب الدستوري لانعقاد الجلسات ما بعد الدورة الانتخابية الأولى هو الأكثرية المطلقة قياساً على النصاب اللازم في الدورات التي تليها. 

أجواء لقاء بكركي

وأفادت مصادر نيابية شاركت في اجتماع بكركي «المستقبل» أنّ المجتمعين طرحوا أفكاراً ومقترحات لها علاقة بتفعيل تحرك مجلس النواب بالتوازي مع تحريك الرأي العام ضد الشغور الرئاسي، ناقلةً أنّه حين طرح الوزير بطرس حرب مسألة اعتماد نصاب النصف +1، أجابه الراعي: أنا لا أقف ضد هذا الأمر، لكن يجب أن تسألوا الرئيس بري إذا كان يوافق على ذلك، وأنا من ناحيتي أسير بكل ما يتماشى مع تفسير الدستور.

وعندما طالب عدد من النواب خلال الاجتماع بوجوب تحديد المسؤوليات والمجاهرة بأسماء معرقلي عملية انتخاب الرئيس، كشف الراعي للمجتمعين أنه عندما استقبل وفد تكتل «التغيير والإصلاح» حاملاً له مبادرة عون الرئاسية بادر إلى سؤال أعضاء الوفد: في حال لم تلاقِ هذه المبادرة تجاوباً من الطرف الآخر ما هو البديل؟ استمرار الفراغ أم لديكم بديل آخر؟»، مشيراً أمام وفد 14 آذار إلى أنه سبق أن وّجه السؤال نفسه بطريقة أخرى إلى وفد من «حزب الله» زاره في بكركي قائلاً له: إذا كان مرشحكم العماد عون لا يملك الحظوظ الكافية للوصول إلى سدة الرئاسة، ماذا أنتم فاعلون هل تستمرون بتعطيل الانتخاب أم أنّ لديكم بديلاً آخر؟ حينها أجاب وفد الحزب بالقول: يجب أن نراجع الجنرال قبل الإدلاء بأي إجابة على هذا السؤال. وأردف الراعي: وكذلك الأمر حين نسأل ممثلي العماد عون عن هذا الأمر يقولون لنا «علينا أن نراجع حلفاءنا». 

ولدى سؤال الراعي وفد 14 آذار عما إذا كانوا بصدد مناقشة المبادرة التي طرحها عون لحل أزمة الرئاسة، أجاب نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان: «كيف نناقش حل أزمة تعطيل جلسات الانتخاب مع طرف يقاطع هذه الجلسات منذ سنة. الحل بالنسبة إلينا يكمن في التزام الدستور والنزول إلى مجلس النواب لانتخاب الرئيس».

بدوره، لفت النائب جان أوغاسبيان انتباه المجتمعين عندما طُرحت فكرة الحضور اليومي في مجلس النواب حتى انتخاب الرئيس إلى إمكانية تحويل الطرف الآخر المجلس إلى منبر إعلامي يتم تحوير المواضيع من خلاله عن الاستحقاق الرئاسي بإثارة ملفات لا دخل للرئاسة بها مثل ملف معارك القلمون وغيره. وشدد أوغاسبيان خلال مداخلته في لقاء بكركي على كون الفراغ الرئاسي يجب أن يدفع المسيحيين إلى التفكير جدياً في مستقبلهم في المنطقة باعتبارها باتت مسألة وجودية، مذكّراً بأنه عام 2011 كان يقيم في حلب 75 ألف أرمني في حين أصبح هناك اليوم فقط 15 ألفاً بعدما هاجر الآلاف منهم بينما البعض الآخر لا يزال ينتظر فرصته لمغادرة سوريا.

وإذ تتجه اللجنة المنبثقة عن لقاء 14 آذار في بكركي إلى طلب موعد قريب من بري للتشاور معه في عملية تطبيق توصية الحضور اليومي في مجلس النواب، علمت «المستقبل» أنّه تم التداول خلال الاجتماع أيضاً بعقد لقاءات مع المرجعيات الروحية الأخرى تشمل مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل الموحدين الدروز نعيم حسن، فضلاً عن دعوة الراعي إلى دعوة ممثلين مسلمين ومسيحيين عن كافة الكتل النيابية التي تواظب على المشاركة في جلسات الانتخاب ومن بينها كتلة «التحرير والتنمية» إلى بكركي لتفعيل التواصل والتشاور المباشر معها حول سبل الخروج من المأزق الرئاسي.

سلام

ومساءً، وجّه رئيس مجلس الوزراء تمام سلام كلمة إلى اللبنانيين لمناسبة مرور عام على الشغور الرئاسي نبّه فيها إلى أنّ «التعطيل المتكرر لنصاب جلسة انتخاب الرئيس أدى إلى إدخال البلاد في مسار سياسي واقتصادي خطير لا يبدو أن الجميع مدرك لفداحته»، محذراً في الوقت عينه من اكتمال عقد التعطيل الذي أسفر عن «خلل فادح في عمل المؤسسات الدستورية (...) وها هو التعطيل يكتمل بعد أربعة أيام بانتهاء العقد التشريعي العادي»، في وقت «تعمل الحكومة بالحد الأدنى من طاقتها»، مع إشارته إلى أنّ «استمرار الشغور في سدة الرئاسة الأولى لا يضعف النظام السياسي فقط، بل يهدد الكيان الوطني نفسه كما يلحق ضرراً بالغاً بمعنى لبنان التعايش والمشاركة».

وإذ شدد على أنه «لم يعد جائزاً أن تبقى الحياة السياسية في لبنان معلقة وأن يبقى اللبنانيون سجناء في غرفة انتظار نتائج الحروب الإقليمية»، أكد سلام أن «لا بديل من التوافق على طريقة الخروج من هذا الوضع، وأي حل آخر يعكس غلبة لجهة على أخرى هو وصفة لتوليد أزمة أكبر وأخطر»، لافتاً في المقابل إلى أنّ «إنجاز الواجب الدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الاعتبار لآليات العمل الديموقراطي المنصوص عنها في الدستور ويشكل مدخلاً لعودة العافية السياسية والاقتصادية للبلاد».

ريفي 

قضائياً، برز أمس إصدار المجلس العدلي جملة أحكام بحق عدد من الموقوفين في قضية مخيّم «نهر البارد» من بينها الحكم ببراءة بعضهم وإبطال التعقبات بحق بعض آخر. وتعليقاً على الأمر، أكد وزير العدل أشرف ريفي لـ»المستقبل» أنّه بصدور هذه الأحكام «نكون قد أنجزنا 95% من هذا الملف» الذي جزم بأنه سيصار إلى طيّه نهائياً في حزيران المقبل، مشيراً إلى أنّ عملية تسريع المحاكمات في هذه القضية منذ وصوله إلى الوزارة «نجم عنها صدور 27 حكم براءة حتى اليوم». ورداً على سؤال، أجاب: «الموقوفون من بين هؤلاء تم إخلاء سبيلهم، أما الفارون فعمدنا إلى إلغاء بلاغات البحث والتحري الصادرة بحقهم».

وعما يتصل بمستجدات قضية الإرهابي المدان بالجرم المشهود ميشال سماحة، قال وزير العدل: «رفعتُ اقتراح إحالة القضية إلى المجلس العدلي وأدرج على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء (غداً) الخميس، لكي يحسم كل طرف موقفه من هذه القضية بحيث يظهر أمام الرأي العام من يقف في صف المجرمين ومن يقف في صف الضحايا».